إذا كنت غريبا عن هذا البلد، وسمعت أو قرأت عن المنافسة الشرسة الدائرة بين الأهلى والزمالك على شراء الجابونى، ماليك إيڤونا، لاعب نادى الوداد المغربى، الذى وصل سعره إلى ٢ مليون دولار، أى ما يقرب من ١٥ مليون جنيه، ستظن أن هذا البلد غنى، وأهله يعيشون فى رفاهية ومتعة كما هو الحال فى دول الخليج، التى ينفق بعضها مئات الملايين على استادات خاوية من الجماهير، أو أن اقتصاد كرة القدم عظيم، وعوائد اللعبة ضخمة، وتستحق أن تنفق الأندية الملايين فى شراء اللاعبين، والتعاقد مع المدربين، حتى تحافظ على استمرار أرباحها، لكن عندما تدقق وتقترب من المشهد، وتكشف الأرقام لك أن الأندية المصرية عن بكرة أبيها مفلسة إلا قليلا، وأن عوائد اللعبة أقل بكثير من مصروفاتها، وأن استمرارها وبقاء المنافسات والبطولات هو من قبيل المسائل اللوغاريتمية المستعصية على الفهم، مثل أشياء كثيرة فى حياتنا.
فاقتصاديات اللعبة عشوائية، ولا يوجد ناد يملك ميزانية رابحة أو حتى متعادلة، لكنه مستمر رغم عدم وجود مصادر دخل ثابتة أو واضحة، فكرة القدم التى نعرفها، ويعرفها العالم، تأتى مصادر إيراداتها من 3 طرق لا رابع لها: الأولى، البوابات، وهى إيراد تذاكر حضور الجماهير للمباريات.
الطريقة الثانية هى عائد بث المباريات على شاشات التليفزيون، .
المصدر الثالث للدخل هو الإعلانات فى الملاعب، وعلى ملابس اللاعبين، من هنا لا أعلم كيف تأتى لمسؤولى الأندية الشجاعة للتفاوض مع لاعب بـ١٥ مليون جنيه، وهو بالمناسبة قد يستحق هذا المبلغ، لكن الظروف الاقتصادية «الضنك» التى نعيشها لا تتحمل دفعه فى لاعب قد ينجح أو يفشل، فالمغامرة مخاطرها كبيرة، والأكبر منها حالة العناد العقيم بين الناديين، الذى تغزيه الجماهير ومواقع التواصل الاجتماعى، ما دفع نادى الزمالك للدخول فى صفقة ألهبت سعر اللاعب الذى كان الأهلى اقترب من التعاقد معه بمليون ومائة ألف دولار، ونفس الأمر أراه يتكرر مع صالح جمعة، لاعب نادى إنبى، الذى اتفق الأهلى على شرائه بعد موافقة اللاعب بـ٤ ملايين جنيه، ليقفز الرقم إلى 6 ملايين، فى الطريق إلى الزيادة.
والمشكلة لا تقف عند حد المزايدة بين الناديين فى ظل عدم وجود تسعير موضوعى وعلمى وحسابى للاعبين، بل فى حالة السعار التى تنتاب إدارات الأندية مع اقتراب موعد الانتقالات الصيفية، وتجدهم يتسارعون على «قماشة دايبة» من مجموعة لاعبين استنفدوا ما لديهم، بينما الواقع يقول إن أبرز اللاعبين فى الدورى هذا الموسم كان من الشباب الصاعد: رمضان صبحى، وتريزيجيه، ومحمد هانى، فى الأهلى، ومصطفى فتحى، ويوسف أوباما، وأحمد توفيق، فى الزمالك، وهؤلاء لم يكلفوا أنديتهم الملايين التى تدفعها فى لاعبين لا يمثلون فارقاً كبيراً، وأرجو ألا يفهم كلامى هنا بأننى ضد التدعيم والإضافة فهذا أمر واجب، لكن المهم هو: هل الأهلى والزمالك يدعمان فريقهما بما يحتاجه أم بما يشفى غرورهما ويرضى شهوة كل منهما فى إغاظة المنافس؟
الأقرب أن التعاقدات فيها من الغيرة أكثر مما فيها من الحكمة والدقة والحاجة الحقيقية، بدليل ما أسمعه من مسؤولى الزمالك عن أنهم تعاقدوا مع ١٥ لاعبا جديداً، وهو أمر لا أفهمه، فى ظل تقدم الفريق واقترابه من حسم بطولة الدورى.
من الملحوظ أو قل من أبرز سلبيات الأجهزة الإدارية فى الناديين الكبيرين، عدم وجود معايير فنية وكروية وبدنية وسلوكية ونفسية لشراء اللاعبين، فكل منهما يشترى اللاعب إما سماعيا أو بالفيديو، أو بشطارة سمسار، أو لأنه تألق فى مباراتين أو ثلاث، لينتقل إليه باعتباره «بطيخة»، قد تكون ماسخة وبلا طعم، ثم يرحل فى نهاية الموسم.