عن الحلقة (7) من «حارة اليهود»: «رأفت هجان» فلسطيني بأمر المخرج (تحليل)

كتب: أحمد بلال الأربعاء 24-06-2015 22:51

بلكنة شرقية ونطق عبري ركيك، تحدث الضابط الإسرائيلي، إلى المترجم الفلسطيني، وهو الذي لم يظهر في أي من مشاهد المسلسل إلا بصحبته، عن الضابط المصري الأسير، مؤكدًا أنه شطب اسمه من سجلات السجن كي لا يُدرج في صفقة تبادل الأسرى، وأنه مصر على إذلاله، وعلى طريقة «المخرج عايز كده»، يقرر القائمون على العمل فجأة تحويل الشخص الفلسطيني الخائن إلى شخصية وطنية مقاومة، هكذا وبكل بساطة مطلوب منك أن تقتنع بأن هذا الفلسطيني هو «رأفت هجان جديد»، اخترق المخابرات الحربية الإسرائيلية، والجيش الإسرائيلي، ويجلس في مكاتب وزارة الدفاع والمخابرات ومصلحة السجون، ويرافق حتى ضباط المخابرات الذين يقفون على الأكمنة.

ليس أمامك يا سيدي المشاهد سوى أن تقتنع بأن هذا الـ«رأفت هجان» الفلسطيني، هو شخص سوبرمان، يتحرك وسط الأجهزة الأمنية الإسرائيلية دون أي عوائق، بل ويصدر أيضًا أوامر للجنود فينفذونها على الفور، فبعد تأكده من أن الضابط الإسرائيلي ينوي قتل على، يقرر الفلسطيني التحرك لإنقاذ الضابط المصري الأسير، وفجأة ودون سابق إنذار، نجد الفلسطيني برفقة جندي إسرائيلي في زنزانة على، الذي أصبح بقدرة قادر يتحدث العبرية، إعمالًا بقاعدة: «المخرج عايز كده».

يأمر الفلسطيني الجندي الإسرائيلي بالخروج من الزنزانة، ثم يتوجه لعلي، ويخرج له وجبة طعام كان قد خبأها في ملابسه، هكذا وبكل بساطة، يدخل السجن ويخبئ وجبة طعام في ملابسه، ويقابل أسير في زنزانة عزل انفرادي، دون أن يعترضه أحد، أو يفتشه أحد، بل الجميع ينفذ أوامره، وكأنه ديفيد بن جوريون، رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت.

في مشهد آخر، يدخل الفلسطيني السجن مرة أخرى لتهريب «على» هذه المرة، قبل أن يدخل يقف مع حارسي السجن، ويمنحهما خمرًا فيسكران ويسقطان أرضًا، ليأخذ المفتاح من جيب أحدهما ويدخل ويفتح زنزانة «على» ويُهربه إلى الخارج، حيث تنتظره سيارة أمام السجن، والطريف أن هذا الفلسطيني يبدو أنه شخص يحتفظ بأخلاق عالية، فقبل مغادرته السجن هاربًا، أغلق من خلفه الباب وكأنه باب شقته، ليتم الأمر كله وكأننا أصبحنا أمام «فيلم هندي» بالمفهوم المُتداول، ولسنا أمام مسلسل تاريخي.

والمعروف أنه في هذه الفترة التاريخية، 1949، أي بعد شهور من إعلان قيام إسرائيل، كان يوجد في الكيان الوليد 5 سجون فقط، سجنين بنتهما العصابات الصهيونية في حينه، و3 ورثها الكيان عن الاحتلال الإنجليزي، وهو ما يعني أن هذه السجون كانت محصنة وحراساتها قوية ومشددة وليست سجون تفتح بابها لأسير هارب يدق عليه، أو مفتوحة لفلسطيني لمجرد أنه صديق أو مترجم لضابط إسرائيلي.

على كل حال، ظهرت الشرطة المصرية أخيرًا في «حارة اليهود»، في الحلقة السابعة، مشهد واحد فقط ظهر فيه ضابط شرطة مصري في حلقة سابقة، بعد انفجار استهدف الحارة، وقتها وقف الضابط في انتظار الجثث الخارجة من المعبد، دون أي إشارة إلى دور تقوم به الشرطة يندرج تحت مسمى البحث الجنائي أو التأمين، أو أي من مهام عمل الشرطة، بعكس ضباط الاحتلال الإنجليزي الذين أبدوا اهتمامًا بالتفجيرات وجندوا أشخاصًا لمعرفة أي معلومات سواء عن التفجيرات أو عن استهداف القوات الإنجليزية.

على مدار الحلقات الست الماضية أخفق مؤلف العمل في تصوير الواقع المتعلق بجهاز فرض النظام والأمن في ذلك التوقيت، فالمؤلف اعتمد على تصوير ظاهرة الفتونة، وكأنها وزارة داخلية الحارة، على اعتبار أن الحديث يدور حول حارة، وذلك رغم انقراض هذه الظاهرة في مصر تقريبًا في عشرينيات القرن الماضي، ورغم أن حارة اليهود هي حي كامل وليس مجرد حارة، وحي يقع وسط محلات ذهب وغيرها، في الموسكي والجمالية وخان الخليلي.

أغفل المؤلف تمامًا أي وجود لوزارة الداخلية المصرية، رغم أنها كانت موجودة، وتمارس عملها، وقد يكون المؤلف أغفل وجود الحكومة المصرية بأكملها، فيظهر ضباط الاحتلال الإنجليزي في موقع الحكام، ولم يتعرض تقريبًا حتى الآن بدور القصر أو الحكومات التي كانت تحكم مصر في هذه الفترة، ولا حتى حالة الحراك السياسي، التي كانت قائمة، ولا حتى دور أقسام الشرطة أو قلم البوليس السياسي، حتى أنه عندما أظهر الفتوة كمندوب معين لفرض النظام في الحارة، جعل التعامل بينه وبين ضباط الاحتلال مباشرة.

على كل حال، يُحسب للمؤلف لفت النظر إلى التمييز الذي يُمارسه الإشكناز (اليهود الغربيين) ضد اليهود السفارديم (الشرقيين) وذوي الأصول العربية، مثل يهود اليمن، والامتيازات التي يحصلون عليها دون غيرهم، فعندما كان يقف الفلسطيني مع حارسي السجن وأحدهما على الأقل من أصل يمني، سأله عن الأمر، فأجاب أنهم احتجوا وقيل لهم إنهم في وقت حرب ويجب إطاعة الأوامر فقط، دارت أحداث هذا المشهد عام 1949، وفي اعتقادي فإن هذا التاريخ أبعد قليلًا من وجود احتجاجات للشرقيين ضد الغربيين في الكيان الوليد، وهي الاحتجاجات وحركات التمرد التي ظهرت في الخمسينيات، مثل تمرد الشرقيين، الذي وقع في وادي الصليب في حيفا عام 1959، وبلغت ذروتها في السبعينيات بحركة الفهود السود.