ويكيليكس.. إذا وقفت الرعية على أسرار الملوك هان عليها أمرها

مي عزام الأربعاء 24-06-2015 21:25

كلنا أصبحنا سجناء بيوت زجاجية، عرايا بلا غطاء، فلا مكان محصنا عن الاختراق ولا خصوصية يمكنك أن تدّعى أنك تمتلكها فى عصر الانتهاك، لم يعُد الأخ الكبير فقط هو الذى يراقبنا بل الإخوة جميعا وأولاد العم والخال والذى يعرفنا والذى لا يعرفنا، الجميع يتطلع كل يوم لكشف المزيد والمزيد، ولكن ماذا بعد أن تسقط ورقة التوت الأخيرة؟ هل سيكون لدينا العزم والحياء لندارى سوءاتنا كما فعل آدم وحواء بعد أن عرتهما الخطيئة.

كشف المستور سلاح ذو حدين، فهو إنذار بمراجعة النفس والتوقف عن الظلم والفساد لأن الأمر سينكشف فى النهاية وستفضح على رؤوس الأشهاد، ولكن فى المقابل استعمال هذا السلاح كثيرا يفقد النصل حدته، ويوما بعد يوم يتقبّل العالم العيش فى قفص زجاجى، ولن يتوقف عن فعل ما اعتاده، ويصبح العبء على من يراقب وليس المراقب، الفضائح تتحول إلى خبر ما يلبس أن ينسى ليأتى خبر يشغلنا... وهكذا دواليك.

فضح أجهزة ومؤسسات دول كبرى، لا يطول سمعة هذه المؤسسات وحدها ولكن قد يطول أشخاصا فى الحياة نعرفهم ونسمع عنهم، وأنا ضد فضح أسرار الناس والتشفى من سقطاتهم، وكما روى عن المسيح عليه السلام فى قصة المرأة المتهمة بالزنا، التى أراد اليهود رجمها، وأرادوا أن يحرجوا المسيح ليشارك هو أيضا فى رجمها، أو يعترض على شريعة موسى التى أمرت برجم الزانى. لكنه فاجأهم بعبارته التى ذاع صيتها، لما رآهم يتعاملون معها بقسوة المتعالى وبغلظة المتكبر: «من كان منكم بلا خطيئة فليرمِها بحجر» فلما سمعوا هذا الكلام انسحبوا جميعا واحدا تلو الآخر، وبقى المسيح وحده، والمرأة واقفة فى مكانها. فقال لها: «أين هم أيتها المرأة؟ ألم يحكم عليك أحد منهم؟»، فأجابت: «لا أحد يا سيد»، فقال لها: «وأنا لا أحكم عليك، اذهبى ولا تعودى تخطئين!». إنه الستر والدعوة باجتناب الخطيئة مستقبلا، فمن منا بلا خطيئة؟! ومن منا لم ينعم بستر الله عليه؟!

من بين الذين فضحتهم وثائق ويكيليكس الأخيرة الخاصة بوزارة الخارجية السعودية أسماء مصرية، من ضمنها كاتب روج شائعات عن خصومه ودافع عن خرق خصوصيتهم وفتح صناديقهم السوداء على حد تشبيه «عبدالرحيم على»، ولم يتوقف ذلك الكاتب ليسأل نفسه: أليس لديه مثلها؟ لم يفكرأن الداوئر تدور على الباغى!

الإنسان يشعر فى قرارة نفسه بما يفعله سواء خير أو شر، وهو يخجل أن يطلع الناس على إثمه، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «البر حسن الخلق، والإثم ما حاك فى نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس» وكلنا يدعو فى صلاته بالستر فى الدنيا والآخرة لإدراكه أنها نعمة كبيرة.

أعرف أن حديثى هذا لن يغيّر من الأمر شيئا، فالعالم يهرول نحو حتفه ولا يجد عقلاء يبطئون خطواته، الصراعات والحروب تمزّق العالم وتتركه بائسا يائسا، الانتهاك أصبح سمة العصر والتعرى تحول لموضة يسعى الجميع لتقليدها بنشرها على نطاق واسع، الحفاوة التى تقابل بها وسائل الإعلام وعامة الناس أخبار الفضائح تنذر بأن هناك خطأ ما، وأنها تبتعد عن الفطرة السليمة فى احترام خلق الله لقيمة الستر، وهذا لا يتعارض مع فضح الفساد والفاسدين، بتطبيق القانون عليهم وإرساء مبدأ العدل والمساواة دون تمييز، فالبعض يبرر هذا السيل العارم من التسريبات بأنه وسيلة الضعفاء لإحراج الأقوياء ليرتدعوا ويتوقفوا عن بطشهم وظلمهم وفسادهم تطبيقا لقول أحد الحكماء: «إِذا وقفت الرعية على أسرار الملوك، هان عليها أمرها».

ونحن فى شهر البر والإحسان علينا أن نجعل من قلوبنا دار إفتاء، والانتباه إلى أن الاستمتاع والتلذذ بفضائح الآخرين، يجعل الناس تعتاد عليها بل تستمرئها، وخاصة الفئات الأقل وعيا وثقافة التى لا تفرق بين ما يفعله موقع ويكيليكس وما فعله عنتيل المحلة الكبرى وأمثاله.

ghoneim-s@hotmail.com