لا معنى لكل جهود وزارة الداخلية فى مكافحة الجريمة والمخدرات، ما بقِى شهر رمضان على هذا النحو.. كل جهود الشرطة المصرية لن تساوى شيئًا إذا ما بقيت درامَا رمضان تعمل بكل صدق وإخلاص من أجل تدمير المجتمع.
كل رجل شرطة رحل شهيدًا فى حربٍ مع تجار المخدرات، أو فى مطاردة المغتصبين، أو فى اشتباك مع مجرمين يحملون السيوف ويطلقون الرصاص.. لن تهدأ روحه الآن.. وبلادنا تشهد عشرات المسلسلات الإجرامية التى تحمل رسالة واحدة من كلمَتيْن: المجدُ للمجرمين.
(1)
فى شهر رمضان عام 2014 تصوّرنا أن ذلك المستنقع الدرامى لن يتكرر، وأن الغثيان الذى أصاب الناس من بحور الدماء، والدخان الأزرق، وأسواق البغاء.. لن يتكرر.. ثم جاء شهر رمضان 2015 ليصل المستنقع الدرامى إلى دركٍ أسفل.
بدَا المصريون وكأنهم شعبٌ من سكّان الغابات.. ملابس رثّة وعارية، وسيوف وآلات حادة، وبِرَك من الدماء تغطِّى جنبات الغابة!
بدَا المصريون أيضًا وكأنهم شعب مخمورٌ أو مسطول.. طوال الوقت، كل أنواع الخمور وكل الجديد فى عالم المخدرات.. ومشاهد مطوّلة تشرح لك أحدث صيحات التعاطى وأفضل الخلطات!
بدَا المصريون أيضًا وكأنهم مجتمع منحلّ.. يرتع فى الفِسقِ والفجور.. حيث بيوت الخطيئة هى المعالم الرئيسية للبلاد!
(2)
إنها حربٌ منظمة لتدمير الصورة والمسيرة.. تدمير صورة بلادنا لدى أنفسنا ولدى العالم.. ثم تدمير مسيرة بلادنا نحو المستقبل.. ذلك أن السُّكارى والتائهين.. لا يبنون نهضة، وأن البغايا والقوّادين لا يبنون حضارة.. وأن تدمير الإنسان هو تدمير للدولة، وإلغاء للمستقبل.
إن خطر إسرائيل وخطر الإرهاب أقل شأنًا من ذلك الخطر.. وما أسهل إلحاق الهزيمة بإسرائيل، وما أسهل إلحاق الهزيمة بالإرهاب.. وما أصعب معركة استعادة العقل، وعودة الوعى.
(3)
يبدو أن الدولة لا تعرف أنها مسؤولة عن كلّ مصر، وأن مسؤوليتها لا تنحصِر فى الملفات السياسية والاقتصادية.. بل تمتدّ إلى علم النفس وعلم الاجتماع.. أو علم بناء الشعب.
(4)
لم يكن أستاذنا المفكر الكبير جمال حمدان على صواب فى استخدامه لتعبير «مصر.. عبقرية المكان».. والصواب فى تقديرى هو «مصر.. عبقرية الإنسان».. فالمكان بالإنسان، وقيمة الحجر من قيمة البشر. وحين التقيتُ الصحفى الفلسطينى الشهير «ناصر الدين النشاشيبى» فى أبوظبى قبل أعوام.. وكان وقتها ينشر كتابه الوضيع «سنوات فى مصر» عبْر صحيفة الشرق الأوسط.. قلتُ له كلامًا كثيرًا، وكان تقديره أننى شاب صغير لا يدرك مكانة أستاذ كبير.
لكننى جادلته طويلاً- متجاهلاً وجهة نظره الشخصية- وقلت له: أستاذ ناصر.. أنت ترى مصر هى النيل والأهرامات وشواطئ المتوسط.. وليست المصريين. إنك ترى كل الجَمال والبهاء والرّوعة فى الأحجار والمياه والرمال، ولا ترى جمَالاً ولا بهاءً فى ذلك الشعب الرائع.. إنك تتمنى أن ترى مصر بدون المصريين.. ورأيُك هذا لا قيمة له.
وقد سبق أن نشرتُ رأيى فى الردّ على ناصر الدين النشاشيبى وأمثاله ممن يُحبّون مصر، ويكرهون المصريين.. ويُشيدون بالفنادق والمعابد ويهاجمون كل فئات الشعب.. فى كتابى «مصر الكبرى»، فى فصل بعنوان: «مصر- المصريين = صفر».
(5)
كل ما أخشاه أن تكون الحكومة ممن يؤمن بالحجر ويكفر بالبشر.. تقيم الإعلام ولا تقعده من أجل تحرير شارع من قفص فاكهة.. ولا تقيم وزنًا من أجل تحرير العقل.
(6)
لن تنجح الجمهورية الثالثة فى مصر.. إذا ما تم وضع بعض الصخور وهدم كل العقول.. إذا ما بقيت القوة الناعمة تمضى بأستيكة وراء القوة الصّلبة. إذا ما صعدتْ الدراما وسقط المجتمع.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر