كان الشيخ رشيد رضا من أشد الداعين إلى أن يكون الإصلاح عن طريق التربية والتعليم، وهو في ذلك يتفق مع شيخه محمد عبده في أهمية هذا الميدان، وحدد العلوم التي يجب إدخالها في ميدان التربية التعليم لإصلاح شؤون الناس، ودفعهم إلى مسايرة ركب العلم والمعرفة، على أن يكون إصلاح التعليم بالعمل، وحاول تطبيق ما يراه محَّققًا للآمال، فأنشأ مدرسة «دار الدعوة والإرشاد» لتخريج الدعاة المدربين لنشر الدين الإسلامى، وافتتحت في ليلة الاحتفال النبوى في 1912م في جزيرة الروضة بالقاهرة.
كان «رشيد رضا» واحدًا من رواد الإصلاح الذين حملوا راية التجديد والاجتهاد، وارتفعت أصواتهم بالبعث والإحياء، وعملوا على النهوض بأمتهم، وهو أكبر تلامذة الإمام محمد عبده وخليفته من بعده، والأمين على أفكاره واتجاهاته، وهو مولود في قرية القلمون في لبنان في 1865 وهو سليل بيت عربى عريق، وكان أبوه «على رضا» شيخًا للقلمون وإمامًا لمسجدها، فعُنى بتربية ولده وتعليمه ثم انتقل لطرابلس، ودخل المدرسة الرشيدية الابتدائية ثم المدرسة الوطنية الإسلامية بطرابلس سنة 1882 ورعاه أستاذه الشيخ الجسر، واتصل بحلقاته ودروسه، وأجازه في 1897 بتدريس العلوم الشرعية والعقلية ودرس الحديث على يد الشيخ «محمود نشابة» وقد تأثر بجمال الدين الأفغانى، لكنه كان أكثر تأثرا بمحمد عبده، وأصبح شيخه الذي حرك عقله وفكره لنبذ البدع، والجمع بين العلوم الدينية والعصرية.
واستطاع الشيخ رشيد أن يثبت قدرته على الاجتهاد في الفقه، في الوقت الذي انطلقت حركة إصلاحية كبرى بمصر، ترامت أنباؤها إليه واتصل بجريدة العروة الوثقى، التي وجهته للسعى في الإصلاح الإسلامى العام، وحددت له منهجاً علمياً جديداً للإصلاح وفتحت له آفاقاً واسعة لم يكن يعرف عنها شيئا، واستطاع أن يتصل بالأفغانى الذي نادى بالإصلاح والتجديد عن طريق السياسة، كما اتصل بمحمد عبده الذي نادى بالإصلاح والتجديد عن طريق التربية والتعليم، وخرج بعد ذلك بمنهج يخصه بعدما استقر به المقام في مصر في 3 يناير 1898 وفاتح الإمام محمد عبده، بأنه ينوى أن يجعل من الصحافة ميدانًا للعمل الإصلاحى، من خلال إصدار مجلة تكون منبرا لفكر المدرسة الإصلاحية، فكانت «المنار» التي أصدرها في 17 مارس 1898 والتى كتب فيها الإمام محمد عبده، وكانت منبراً لبث أفكاره في الإصلاح الدينى والاجتماعى والإيقاظ العلمى والسياسى، الذي يجعل المسلمين يعيدون النظر في سوء حالهم، وتذكيرهم بما فقدوه من سيادة الدنيا وهداية الدين، وما أضاعوه من مجد آبائهم الأولين، فنادى بأن يعلموا أن قيمة الدين ليست في أسراره الروحانية فقط، بل أيضا في الحقيقة التي يعلمها للإنسانية، وحملت المجلة رسالة مدرسة الإحياء والتجديد لكل أقطار العالم الإسلامى، فعنيت بإصلاح العقيدة وتنقيتها من شبهات الشرك والبدع والخرافات، وكتب رشيد مئات المقالات والدراسات التي تهدف إلى إعداد الوسائل للنهوض بالأمة وتقويتها.
وهاجمت مجلة المنار العادات السيئة التي تسربت إلينا من الغرب نتيجة الاتصال بهم، وفى الوقت نفسه دعت إلى ضرورة مسايرة أوروبا في مجال العلوم الحديثة، كما دعت إلى الإصلاح الاقتصادى الذي يحرر اقتصاديات المسلمين، ودعت لإقامة المجتمعات والمؤسسات العلمية والاجتماعية والخيرية؛ لتكون جهود الأمة في الإصلاح أكثر جدوى وأعظم تأثيرًا، واستمرت المجلة في الصدور حتى توقفت بعد وفاة الشيخ رشيد رضا في 22 أغسطس 1935 بعد عطاء دام نحو أربعين عامًا.