مسلسل تسريب الامتحانات..!

نادين عبدالله الثلاثاء 23-06-2015 22:18

هو مسلسل مستمر منذ عدة سنوات إلا أن حدته زادت بشكل مثير هذا العام! فقد تأسست منذ فترة صفحة على الفيسبوك أطلقت على نفسها اسما كاريكاتوريا غريبا، وهو «شاومينج»، وقد تعاملت هذه الصفحة مع نفسها باعتبارها المتحدث الرسمى باسم هذا الشخص أو هذه المجموعة التى تقوم بتسريب امتحانات الثانوية العامة أو أجزاء منها. والطريف فى الأمر هو أن مهمة التسريب التى أخذتها على عاتقها لم يكن الهدف منها تسهيل الغش للطلاب وخلاص، بل الاحتجاج على نظام التعليم فى مصر، وخاصة نظام الثانوية العامة. ففى تصريح سابق لـ«المصرى اليوم»، أوضح «المسرب» ما يطالب به: «إلغاء مكتب التنسيق، وجعل القبول فى الكليات عن طريق امتحان قدرات يمكّن كل طالب من دخول الكلية التى يحبها، بالإضافة إلى تعديل المناهج بحيث يكون أساسها الفهم وليس التلقين..»!

صراحة، لا نحيى هذا الشكل الاحتجاجى لأنه ببساطة يساعد على انتشار قيم «عدم الأمانة»، بل يساوى فى النهاية بين من يجتهد ومن لا يفعل، إلا أن التعامل مع «ظاهرة شاومينج» وكأنها قضية أمنية محضة، أو اعتبار أن هذا الشخص مجرد مواطن خارج عن القانون ستتم ملاحقته حتى ينفض الحديث، أمر لا يدل سوى على مزيد من قصر النظر. فدلالات ظهور مثل هذه الصفحات أعمق بكثير من أن يتم إهمالها. قطعًا، اختيار هذا الشخص أو هذه المجموعة لطريقة تسريب الامتحانات كوسيلة احتجاج بكل ما تحمله من تحدٍّ للدولة وكسر، نرفضه، للقانون يعنى أن باقى طرق الضغط المجتمعية قد تم حصارها، وأن كل طرق التعبير عن بدائل فعالة وواقعية فيما يتعلق بالملف التعليمى قوبلت بالاستهانة المعتادة. فأبشع شىء يمكن أن يقدمه أى نظام سياسى فى العالم هو أن يستمر فى غلق كل منافذ الحوار أو الضغط المجتمعى فيما يخص كل القضايا الحيوية مثل، الصحة والتعليم والسياسية، ولا يسمح سوى بالجدل حول الأمور التافهة وعديمة القيمة.

ومن ناحية أخرى، رغم أن الاعتراض على نظام التعليم المصرى لا يمكن أن يتم عبر الترويج لقيم الغش واللامبالة، إلا أن الاعتراف بالحق هو أيضًا فضيلة. فأسوأ ما فى موضوع الثانوية العامة هذا هو أنه يفصل الطالب عما يحب: ما يحب دراسته أو ما يحب عمله، فيخلق إنسانا مشوها ومقهورا، لأنه ربما أجبر على دخول كلية لا يحبها، فاضطر لأن يبقى طوال حياته يمارس عملا يكرهه، فقط لأنه وُلد فى بلد لا يضع معايير جادة لأى شىء، وحينما يضع واحدة فتكون غالبًا غير منطقية. ولا يخفى على أحد من الأصل، أن نظام التعليم المصرى أصبح غير ملائم للعصر، فيكفى أن تسافر للخارج سنة أو اثنتين بحثًا عن العلم حتى تدرك أن فرق الساعات فى الجغرفيا، يتحول إلى فرق سنين ضوئية فى العلم والمعرفة. للأسف، أغلب التعليم فى مصر بعيد تماًما عن احتياجات سوق العمل، فهو قائم على التلقين والحفظ، وليس على الفهم والإبداع، وكأن معيار الاختيار هو سعة الذاكرة مع (قلة الحركة) فحسب.

نعم، لسنا على الإطلاق من المشجعين أو المعجبين بظاهرة «شاومينج»، لكننا، بالتأكيد، من المتضامنين مع ضحايا التعليم البائس فى مصر.