حاجة غريبة يا أخى.. ومع أنهم لا يعرفون الفقر الدكر الذى نعايشه فى بلادنا..! إلا أن الجماعة الخواجات يعرفون التكافل الاجتماعى ويوزعون شنط رمضان التى نعرفها عندنا.. مع أنهم ليسوا مسلمين ولا يوجد عندهم وزارة للتضامن الاجتماعى.. ولا توجد وزيرة اسمها غادة والى!
وفى مناسبات بعينها.. من بينها شهر رمضان.. تقف البنت الخوجاية فى السوبر ماركت الأوروبى توزع شنطة فارغة لمن يرغب فى تعبئتها بالبضاعة عند الشراء.. وتتولى سعادتك وضع كيس للمكرونة وآخر للأرز وثالث للسكر وزجاجة زيت وغيرها من البضائع الأساسية.. ثم تدفع ثمنها وتسلمها للبنت السنيورة التى تتولى توزيعها بعد ذلك.. طبقاً لقوائم تحتفظ بها تضم أسماء وعناوين الفقراء والمحتاجين من المسلمين وغير المسلمين.. تحديداً من المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين دون أوراق رسمية.. توزعها سراً وداخل بيوتهم.. دون إحراج أو إهدار للكرامة الإنسانية!
لا يعرفون هناك ظاهرة السيارات الحكومية تقف بالميكروفون عند أول الشارع تنادى الفقراء والمحتاجين الذين يتدافعون - يا عينى - فيسقط منهم ضحية واثنان وخمسة!
توزيع الشنط الغذائية تقوم به جمعيات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية المختلفة.. تماماً كما كان يحدث عندنا زمان.. حيث كانت جهوداً تطوعية يقوم بها المواطن الميسور مع أهل منطقته أو قريته.. هو يعرف من هو الغلبان ومن المحتاج ومن المستحق للحسنة.. بحكم المعاشرة.. وهو يفعل ذلك سراً.. دون إهانة أو إهدار لكرامة الغلبان!
ولا أعرف لماذا تنافس الدولة الرسمية عندنا الأفراد فى جهودهم التطوعية.. لأنها بصراحة تحولنا إلى قطيع من الشحاتين ونحن نتدافع وراء السيارة الحكومية.. أو نقف فى الطابور أمام الوحدة التى توزع الشنط!
هذا العام وزعت القوات المسلحة مليون ونصف مليون حصة غذائية على مليون ونصف مليون أسرة محتاجة.. بما يعنى أننا تحت خط الفقر فعلاً. أَوَليس من المناسب إذن أن تفكر الدولة فى انتشال الفقراء من هوة التسول.. من خلال برنامج اقتصادى اجتماعى.. وسياسة مالية عادلة لإعادة توزيع الدخول بشكل إنسانى يتناسب مع متطلبات الحياة؟!
التكافل الاجتماعى يعنى أن تساند أخاك فى محنة الفقر والعجز.. تسانده سراً بحيث لا تعلم شمالك ما تنفقه يمينك.. وليس فى زفة صاخبة أمام السيارة التى توزع الإعانة تهين فيها المحتاج الذى يسعى لصدقة الحكومة.
والخيبة أن عندنا وزارة للتضامن الاجتماعى.. وأخشى أن تكون وزارة «ذواتى» لا تعرف عن المجتمع حولها شيئاً.. ليس عندها إحصاء بالفقراء والمحتاجين.. بنسبة تواجدهم فى المجتمع.. بدليل أنهم عندما يوزعون شنطة رمضان يوزعونها عشوائياً.. ويفوز بها من يملك القدرة والعضلات على التدافع للحصول عليها.. فتسقط الأرامل والمعيلات والعجائز اللاتى تدوسهن الأقدام من فرط الزحام والتدافع!!
أخشى أن تكون وزارة التضامن تشبه وزارة العدالة الاجتماعية التى لا نعرف لها وظيفة.. تشبه وزارة البيئة التى تعيش فوق أكوام الزبالة وتتنفس السحابة السوداء، ومع هذا فهى محسوبة علينا ضمن الوزارات!!
ما أقصده أنه على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها أخلاقياً وسياسياً فى ظل غياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية.. ومصر ليست دولة فقيرة كما يُشاع.. هى فقط تعانى غياب عدالة التوزيع.. ولا تنس من فضلك أن الفقراء خرجوا فى الثورتين يطالبون بالعدالة الاجتماعية.. والفقراء هم من تحمل فواتير الإصلاحات والخطط والتجارب الاقتصادية المتوالية.. وعلى الدولة أن تتحمل بشجاعة مشكلة فقرائها.. ومن جيبها وليس من جيب المحسنين، لأننى أرى أنها تستخدمهم للتسول بصريح العبارة!
الحكومة عندنا تشبه المتسول المحترف الذى يجرّ وراءه فى جولاته التسولية طفلاً مكسور الذراع.. يبتز به مشاعر الميسورين.. هو يحتفظ به مكسوراً.. لا يعالجه أبداً لأنه يجلب بذراعه المكسورة الفلوس الكثيرة.. وقد فعلتها الحكومة فى الأسبوع الماضى.. عندما اصطحبت الوزيرة غادة والى رئيس البنك الدولى فى جولتها بالأقصر ليرى ويلمس بنفسه جموع الفقراء يصرفون أول دفعة لبرنامج الدعم النقدى للأسر الفقيرة بمحافظة الأقصر.. والذى يموله البنك على ما يبدو.. والغريب أن اسم البرنامج «كرامة وتكافل»!
عيب.. والله العظيم عيب!
كل عام وأنتم بخير.. رمضان كريم والله أكرم.. نسأل الله أن يديم علينا نعمة الصيام.. وأن تضع الحكومة فى عينها حصوة ملح لتراعى الفقراء والغلابة فى الشهر الكريم، شهر الزكاة والحسنات، بكرامة وتكافل بحق وحقيقى.. ودون إهدار للمشاعر الإنسانية!!