دستور لقمان الأخلاقي (2-2)

مي عزام الثلاثاء 23-06-2015 08:53

في المقال السابق تحدثت عن التشابه بين ماذكر عن لقمان الحكيم وإيسوب اليونانى واحيقار الآشورى، لكن لا أحد لديه ما يؤكد أو ينفى هذه الصلة ،ولا أن يجزم هل لقمان شخص من لحم ودم أم انه مثال يضرب للناس، فالبطل في سورة لقمان هو الحكمة ،والحكمة مطلوبة لذاتها، ومواعظه الشهيرة لأبنه دستور اخلاقى لو نفذت لزال الكثير من البغضاء والكراهية بين البشر، في الأسرة والمجتمع.

وصايا لقمان لأبنه ذكرت في سبع آيات في سورة لقمان من الآية 13 وحتى الآية 19: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ.

وكما قلت سلفا انها وصايا تتسع دوائرها الواحدة تلو الأخرى ،الدائرة الأولى علاقتك بخالقك، ثم علاقتك بوالديك ثم علاقتك بالمجتمع ،دوائر تتسع بأتساع قدرتك على الفهم والادراك، لقمان لاينصح ابنه بالإيمان بالله ولكن بأن لايشرك احد مع الله في العبادة، العلاقة بين العبدوالرب قوامها الإخلاص، الخشية والتقية لاتكون إلا لله وحده الذي لاتغيب عنه مثقال حبة خردل في السماء أو الآرض، فلماذا يشرك المرء مع الله أحد؟ لاتتعجلوا الاجابة، ولكن تفكروا، ستجدون أننا كثيرا ما نبعد عن الاخلاص لله،و نتصور ان هناك بين البشر من يملك تدبير امور حياتنا ويصل الأمر إلى الطاعة، طاعة العبدللسيد، نتنازل أمام أشخاص عن جزء من إنسانيتنا، فالإنسانية الحقيقية لاتتحقق إلا بيقين واحد لايتزعزع ان قدرك ليس بيد إنسان آخرمثلك مهما ارتفع شأنه وسلطته وملكه وجبروته ولكن قدرك بيد لطيف خبير، بداية التحرر الحقيقية هي التحرر من التبعية والخوف من شىء أو على شىء.

لتنضبط علاقتك بالكون تكون البداية إيمانك بأن الله واحد لاشريك له، ثم الدائرة الثانية علاقتك بوالديك وخاصة أمك التي تحملت الكثير في حملك وارضاعك والعناية بك، ويقول تعالى في سورة الاسراء: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا(23)وفى هذه الآية الكريمة تجعل من عقوق الوالدين ذنب عظيم يقارب الشرك بالله .

وفي الامثال المصرية يقال«اللى مالوش خير في أمه وابوه مالوش خير في حد» وهذا حقيقة وان غفلها الكثيرين ،فهى تظهر تقدير الإنسان لمن كانا سببا لوجوده في الحياة، وهنا توجد قاعدة، إن جاءك خير من إنسان، فمن تشكر ؟، عليك ان تشكر الله اولا ثم تشكر هذا الإنسان، من يقول: لافضل لأحد على إلا الله فهو جاحد، ولاينبغى أن تجحد أمك وأباك ولا أن تجحد أي شخص له فضل عليك، فلا يتعارض شكر الله مع شكر الناس، وخاصة الوالدين وعلاقة الأبن مع والديه تظهر خصاله وصفاته الايجابية والسلبية، وطاعة الوالدين مطلوبة دائما إلا في حالة واحدة «إِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ «وهذه الحالة تتسع لمحاولة الوالدين فرض رأى بعيد عن الحق على اولادهم أو حثهما على معصية وفى الحياة الكثير من هذه المواقف، ولكن حتى في مثل هذه الحالات يجب على المؤمن أن «وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا«وهذه الآية تنفى تصور الجماعات المتطرفة في ان عليها ان تحارب مجتمعها بالقوة لو خالف ما تعتنقه من فكر، حتى ولكانوا آل بيته، فدائرة الأسرة تحصن بالمعروف، حتى عند الاختلاف في الاعتقاد.

الموعظة الثالثة، لاضياع لعمل مهما كان صغيرا أوتافها أوقليلا، فكل شىء مسجل ومكتوب في لوح محفوظ ،فالكلمة الطيبة التي تنطق بها ستحسب لك ونظرة احتقار عابرة ستسجل عليك، لو أيقن الناس ان ما يفعلوه من خير أو شر مسجل عليهم لفكروا كثيرا فيما يفعلوا .

ولتكن التسريبات التي نسمع عنها الآن مثلا، الدول والأفراد تخشى وسائل التجسس الحديثة التي جعلت من مراقبة وتسجيل وفضح ونشرأى سر ممكن، ان ذلك بروفة لما سيحدث يوم الحساب، فكل مافعلته في حياتك سيقال على رؤوس الأشهاد، ولذا كان من ادعية المؤمنين«﴿ولا تُخزنا يوم القيامة إنك لا تُخلف الميعاد﴾ أي لا تفضحنا بذنوبنا يوم القيامة.الموعظة الرابعة تضم عظائم الأمور وهى الصلاة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والصبر على المكروه، من استطاع ان يتمسك بهم ويداوم عليهم وبصبحوا سلوكه في الحياة دون ادعاء أو تكلف سيروض نفسه لتصبح من النفوس المطمئنة، فالصلاة لك والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر دورك في المجتمع، يجب ان تكون إيجابيا وتدعم الحق وتنكر الباطل، والصبر تطهر النفس من التعلق والتسرع كالنار التي تفصل الشوائب عن المعدن الأصيل .

الوصية الخامسة والسادسة عن كيف يكون سلوكك مع الناس، وأهم نقطة يؤكد عليها لقمان بأعتبارها نقطة ضعف بشرية تشيع الكراهية والبغضاء بين الناس هي التكبر، ان تتعامل مع الناس ظنا انك افضل منهم وان تسير مزهوا بنفسك بينهم وان تحاول ان تغلبهم بالصوت العالى، فنهيق الحمار مرتفع ولكنه لايثير فينا التبجيل والاحترام بل الضيق والنكران.

هذه الوصايا تنطبق على الشخصيات الشهيرة التي توصف بأنها high profile، انظر لبعضها كيف يزهو بنفسه ويتعامل بأستعلاء على الأخرين ويرفع صوته عليهم ودائما ما يردد أمثال هؤلاء «أنت عارف انا مين»، في المرة القادمة لو قال لك أحد ذلك رد: نعم نعرفكم من أيام لقمان الحكيم .

ektebly@hotmail.com