دون دمعة واحدة، أو صوت صراخ، شيعت حارة اليهود ضحايا الهجوم الإرهابي الذي انتهت به مشاهد الحلقة الرابعة، وبدأت به مشاهد الخامسة، يؤكد القائمون على العمل على لسان بعض الشخصيات أن معظم من قتلوا في هذا الهجوم كانوا من المسلمين، وأن أغلبية سكان الحارة مسلمين وليسوا يهودًا، وهو كلام خاطئ جملة وتفصيلًا، فسكان الحارة، حتى هذه الفترة، كانوا في أغلبيتهم الكاسحة يهودًا مصريين، وبحسب وثيقة نشرها الكاتب شريف عارف، في كتابه الصادر مؤخرًا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، بعنوان «الإخوان المسلمون في ملفات البوليس السياسي»، فإن الضحية التي تم التعرف عليها في هذا التفجير كانت تُدعى راشيل، وإنها كانت تزور المعبد بشكل دائم.
ورغم تأكيد القائمون على العمل على كون الضحايا من المسلمين، إلا أنهم لم يفسرون خروج جثث الضحايا من المعبد اليهودي، فهل كانت صلاة الجنازة تُقام على جثث المصريين اليهود في المعبد اليهودي بقيادة حاخام؟، وإذا كان خروج الجثث من المعبد اليهودي إشارة إلى ديانتهم، فهل يكون من المنطقي إقامة سرادق عزاء يُقرأ فيه القرآن؟.
تُشير الحلقة الرابعة إلى إصرار المؤلف على تصوير حياة اليهود في مصر داخل الحارة فقط، وهذا خطأ في المطلق، فاليهود المصريون عاشوا في كل مكان في مصر، في القاهرة والإسكندرية، والصعيد، والمحلة، وزفتى، والمنصورة، وغيرها من المدن، في أحد المشاهد، يقول موسى الصهيوني العائد من معسكر «هاشومير هاتسعير» بفلسطين المحتلة، لشقيقته ليلى، التي تقول إنهم لا يعرفون أرض غير مصر: «في حارة اليهود ولا الكام معبداللي بانيينهم بالعافية»؟، ورغم أن الكاتب يستطيق القول إن هذا الكلام يحمل وجهة نظر الشخصية، إلا أن صمت ليلى المعادية للصهيونية معناه أن ما يُقال حقيقي.
وفي مشهد آخر يستنكر مواطن الادعاء بأن يهودًا هم من قاموا بالتفجير لحمل اليهود الآخرين على الهجرة لفلسطين المحتلة، قائلًا: «بقى اليهود يحطوا قنابل في الحارة اللي فيها معبدهم»، وكأن المعابد اليهودية في مصر أو حتى في حارة اليهود نفسها كانت نادرة، أو بُنيت «بالعافية» كما يدعي موسى الصهيوني، والحقيقة أن حارة اليهود وحدها كانت تضم 13 معبداً منها «معبدالمصريين»، الذي ظل حتى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي مقراً رسمياً للاحتفال بالأعياد اليهودية، ومعبد «راب إسماعيل»، الذي كان موجوداً في 13 شارع الصقالبة، ومعبد«راب سمحام»، الذي كان خاصاً باليهود القرائين.
أما المعابد الثلاثة المتبقية في الحارة حتى الآن، فهي: معبد «حاييم الكابوسي»، الواقع في 3 درب نصير بحارة اليهود، ومعبد «بار يوحاي» أو «موصيري»، نسبة إلى عائلة «موصيري» التي شيدته في عام 1905 في نفس المكان الذي شهد ميلاد عميد العائلة «نسيم موصيري»، والمعبد الثالث في حارة اليهود، معبد موسى بن ميمون أو «الرامبام»، وهو واحد من أشهر المعابد اليهودية في مصر، ومقره 15 درب محمود بحارة اليهود، بني بعد وفاة الفيلسوف «موسى بن ميمون»، وأعيد بنائه وتجديده عدة مرات، وقد عمل «بن ميمون» رجل الدين اليهودي الشهير طبيباً للسلطان صلاح الدين الأيوبي.
وإلى جانب هذه المعابد الموجودة في الحارة توجد العديد من المعابد الموجودة في العديد من المدن المصرية، أبرزهم معبدعدلي في القاهرة، ومعبدالنبي دانيال في الإسكندرية.
قبل عودته مرة أخرى إلى مصر ظهر موسى هارون الصهيوني، وهو يقف في معسكر، من المفترض أنه تابع لمنظمة «هاشومير هاتساعير»، الصهيونية، وبغض النظر عن هذا الشاب الذي ما أن انتبه إلى أنه خارج كادر التصوير حتى عاد مرة أخرى وهو ينظر إلى الكاميرا ليدخل الكادر، أظهر المسلسل المعسكر وكأن الموجودين فيه يعيشون في رحلة سفاري لا يقاتلون جيوشًا عربية، والمعروف أن معسكرات هذه المنظمة كانت تتسم بالروح العسكرية وكان أعضاء المنظمة يرتدون داخلها الزي الكاكي.
وإلى جانب الأخطاء غير القليلة في استخدام اللغة العبرية ونطقها، إلى أنه ليس مقبولًا أن تصل هذه الأخطاء إلى أبسط الجمل من ناحية التركيب، فموسى الذي تسأله والدة صديقه عن أخته ليلى، يقف بكل ثقة مجيبًا بالعبرية תודה רבה ومعناها: شكرًا جزيلًا، بينما الترجمة المكتوبة على الشاشة: نحمد الرب.
استغلت ابتهال، ابنة العسال فتوة الحارة، والواقعة في غرام الضابط على، الذي يحب ليلى، عودة موسى، والاتهامات المبطنة له بأنه كان في فلسطين يحارب مع العصابات الصهيونية، لوصف اليهود بالخونة، والحقيقة أن مؤلف العمل نجح في الإشارة إلى أن موقف ابتهال ليس دينيًا، بل ليس ضد اليهود، وإنما ينبع من غيرتها من ليلى المصرية اليهودية التي يحبها الضابط على، فنجدها تقف أمام المرآة في عام 1948 تغني وترقص على أغنية ليلى مراد، «يا مسافر وناسي هواك»، وهي أغنية من فيلم «شاطئ الغرام»، الذي تم إنتاجها في عام 1950، أي بعد أحداث هذا المشهد تحديدًا بعامين.
على كل حال، رغم الأخطاء الكثيرة، التي وقع فيها المسلسسل، إلا أنه في الحلقة الرابعة نجح باقتدار في تصوير الصهيونية كحركة قومية وليست دينية، فالأم اليهودية التي تتعاطف مع ابنها موسى ورفاقه الصهاينة تعاطفًا باعتبارهم يهودًا لا صهاينة، تستغرب ابنها الذي بدأ يستخدم نصوص من التوراة تتحدث عن أرض الميعاد، فتقول: «من امتى وانت متدين، انت مكنتش بتروح المعبد»، ثم تطلب منه سؤال الحاخام، فيرفض موسى مؤكدًا: «أنا صح».