بداية السقوط

عبد الناصر سلامة الأحد 21-06-2015 21:36

تعقيبا على ما جاء فى مقال أمس الأول (متوالية السقوط)، هاتفنى أحد المهتمين بالشأن العام، وهو شخصية أحترمها وأقدرها، لما له من باع ثقافى، والحكم على الأشياء بموضوعية، موضحا حقيقة مهمة، ربما غابت عن البعض، وهى أن متوالية السقوط بدأت مع ثورة ١٩٥٢، حينما تم التعامل بطريقة لا إنسانية مع رجالات ما قبل الثورة، وخاصة الباشوات أصحاب الأطيان والأموال، حيث لم يتوقف الأمر على مصادرة أموالهم وأطيانهم، بل مطاردتهم والتنكيل بهم وعائلاتهم فى أحيان كثيرة، فى ممارسات غلبت عليها السيكوباتية، نفذها بغل وحقد واضحين ضباط الثورة ورجالاتها، وأتباعهم من المدنيين.

ثم استمرت هذه المتوالية، وإن كانت بأشكال أخرى، فى عهد الرئيسين أنور السادات وحسنى مبارك، وكان من أبرزها طريقة التعامل مع المعارضين، وكذلك طريقة إقصاء المسؤولين، فيما يشبه العقاب فى بعض الأحيان، إلى أن جاءت أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١، فوصلت المتوالية إلى ذروتها بالاعتقالات والحبس والمحاكمات، التى أخذت فى بداياتها طابع تصفية الحسابات، إلى أن قال القضاء كلمته فى كل منها على حدة. ولم يسلم من ذلك رئيسان سابقان، وإن اختلفت الاتهامات شكلا وموضوعًا لكل منهما.

يبدو إذن أننا أمام تاريخ حافل بالسقوط، ويبدو أيضا أننا لم نستفد من دروس الماضى، كما يبدو أن المتوالية مستمرة، النفس البشرية الضعيفة هى التى تقود وتسيطر، فى غياب العقل، المجتمع ككل هو من يسدد ضريبة هذه النوازع البشرية، اعتدنا إذن ألا ننطلق إلى الأمام، ربما يستهلك الماضى معظم جهودنا، لا لنستفيد من دروسه، أو علاج وسد ثغراته، وإنما لإشباع نزوات شخصية.

ها هى أرض الباشا فيما بعد ١٩٥٢ تعود إليه، أو لورثته، فى جزء كبير منها بأحكام قضائية، وها هم وزراء وقيادات ما قبل ٢٥ يناير مطلقو السراح بأحكام قضائية أيضا، وتبقى الذكرى الرديئة لكلا الحدثين يسجلها التاريخ بكل ملابساتها، من اعتقالات وسجون وتعذيب، بل ترويع وقتل، ناهيك عما شهده المجتمع من تقهقر، ربما فى كل المجالات أيضا، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وحقوق إنسان، بل حيوان ونبات وجماد، وكما كان هناك منتفعون ولصوص فى الأولى، كان هناك انتهازيون ومتسلقون فى الثانية.

القضية الآن هى كيفية الاستفادة من دروس الماضى، كيفية تفعيل لغة العقل لصالح وطن ضج من ممارسات أبنائه قبل حكامه، بعد كل أزمة وأخرى نعيب زماننا، أو حكامنا، والعيب فينا، غير مدركين أن القاعدة هى (منكم يولى عليكم)، وأن الأصعب فى الموضوع هو تغيير الشعوب، ممارساتها، طبائعها، أخلاقياتها، بعد ذلك يصبح تغيير القيادات حتميا، وإلى الأفضل، نزولا على إرادة هذه الشعوب الطيبة، قاعدة رأس السمكة الفاسد قد تصلح لمجتمع ولا تصلح لآخر، والشواهد أمامنا عديدة.

ربما كان هناك بعض الحكام الذين وجدوا ضالتهم فى غباء شعوبهم، وجدوها أرضا خصبة للحكم فى ظل مثل هذه الملابسات، شعوب تتناحر دائماً وأبدا، تتقاتل، تتطاحن، تتشاحن، مصلحة الوطن ليست هى الأهم، ها هو الصيد الرسمى فى الماء العكر، الأوضاع فى حاجة إلى رشداء، يجمعون ويلملمون هذه الأشلاء، يطرحون وصايا لقمان وأطروحات الفلاسفة من جديد، كفى سفكا للدماء، كفى قتلا، كفى تشاحنا، كفى تصفية حسابات، هناك ما هو أهم، كل هذه الأزمات أصبحت من الماضى، هى الآن مصطنعة، ربما كان الهدف دائماً هو الإلهاء والالتهاء بها عن الحاضر، الذى هو فى حقيقته حالة من الضياع، إلا أننا يجب أن نتفاءل دائماً حتى نصل إلى الغاية، التى هى مصر الجديدة بحق. قد يرى البعض الطريق طويلا، إلا أنه بحكم الواقع غير ذلك، وقد يرونه بعيدا، إلا أننا نراه قريبا.