«الحرف».. فى المصرى اليوم

فاطمة ناعوت الأحد 21-06-2015 21:36

احتفلنا بالأمس بعيد ميلاد الصبيّة الصبوح: جريدة «المصرى اليوم». وعلّها الجريدةُ الوحيدة التى لم تحذّف لى حرفًا فى مقال، ولم تُعدّل لى عنوان مقالٍ، منذ انضممتُ إلى سِرب كتّابها المُحلّقين قبل ثمانى سنوات. لأنها لم ترتعب من بطش سلطان جائر فى عز جبروته، منذ مولدها قبل أحد عشر عامًا، وحتى اليوم، وإلى المُنتهى بإذن الله.

على صفحاتها عارضتُ الرئيس مبارك أثناء حكمه وانتقدتُ حكوماته، ولاحقتُ وزير الداخلية حبيب العادلى ونظامه القمعى، ولم تحذف لى الجريدةُ حرفًا. وفى عهد الإخوان التعس، عارضتُ عوارَهم وانتقدتُ مُرسيَّهم ومُرشدَهم وعريانَهم وشاطرَهم وقَطَرَهم وتركياهم وحماسهم ومَن والاهم، ولم تحذفْ لى الجريدةُ حرفًا. ولم يتبدّل نهجى مع الحاكم الحالى الذى اخترتُه بملء إرادتى، ولن يتبدّل. سأظلُّ دائمًا على يسار كل حاكم مصرى، مادام فى قلمى مدادٌ، وكلى ثقة من أن «المصرى اليوم»، التى أعتزُّ بوجودى فيها، لن تحذف لى حرفًا.

وعبارة: «لم تحذف لى حرفًا»، قد تبدو مجازيةً للمبالغة. إذ ما قيمة حرف فى مقال، يُحذَف، أو يُضاف، أو يتبدل موقعه فى كلمة؟! لكنها الحقيقة. الحرف يغيّر المعنى ويشتته ويجعله عائمًا ربما. الحرفُ يقتل. وإليكم ما حدث معى فى جريدة أخرى، لا أودّ ذكر اسمها، ظللتُ أكتبُ بها مقالا أسبوعيًّا ثابتًا لسنوات طوال، قبل أن أقدم استقالتى.

اتصل بى رئيس تحرير تلك الجريدة وطلب منى حذف جملة من مقالى سوف تسبب مشكلة لى وللجريدة. أزمة الجملة كانت فى كلمتى: «حاكم ظالم». كنّا فى عصر مبارك وكان هو المقصود. ورفضتُ حذف الكلمتين. وبعد جدل طويل من جانبه، وإصرار عنيد من جانبي؛ توصّل إلى حيلة عبقرية. بدّل موقع حرف «الألف» فى كلمة: «حاكم»، فصارت: «حُكّام». ولما عاتبته، بعد صدور الجريدة، فى الغد، قال: «أليس كلُّ الحكام العرب ظالمين كما تقول مقالاتك؟ دعى المركب تسير فى سلام يا أستاذة». أما استقالتى فقدمتُها أثناء حكم الإخوان، حين كتبتُ مقالا ينتقدُ «مرسى العياط» الذى كان عروس ماريونيت فى يد المرشد والشاطر. المقال عنوانه: «هل يحكمنا المرشد؟». وخافت الجريدة ولم تنشر المقال. وقدمتُ استقالتى فى اليوم التالى.

لهذا أعتزُّ بـ«المصرى اليوم»، لأن سياستها واضحة وحاسمة، على تبدّل رؤساء تحريرها. «اِنتقدْ، ولا تتطاول». «عارضْ بتحضّر، ولا تسِفّ بالقول ولا تتدنَّ بالحديث». وهذا نهجى منذ بدأتُ الكتابة، فكأنما وافقَ شِنٌّ طبقَه.

أما المفاجأة التى أعلنها الأديب محمد سلماوى فى حفل عيد الميلاد، فكانت الإعلان عن تدشين صالون أدبى ترعاه «المصرى اليوم»، لإحياء تلك الظاهرة الحضارية التى شكّلت وعى المصريين حتى منتصف القرن الماضى، وبغيابها اضمحلتِ الثقافة وتدنّتِ الآدابُ، وضاع صوتُ الأديب وسط صخب المجتمع وضجيج الشارع.

ننتظر الصالونَ بشغف، وكل سنة وأنت طيبة أيتها الجميلة: المصرى اليوم.

Twitter: @FatimaNaoot