عندما تتلاقى المصالح!!

جيهان فوزي السبت 20-06-2015 21:48

منذ فترة ليست بعيدة دخلت العلاقة الملتبسة بين حركة حماس وإسرائيل مرحلة التجاذب والمناورة، وأفضت إلى مناقشات وحوارات حول تهدئة طويلة الأجل بين الطرفين تتراوح بين خمسة أعوام و15 عاما، ورغم نفي الحركة هذه الأنباء المتواترة، فإن وسائل إعلام إسرائيلية تؤكد وجود وساطة قطرية بين حماس وإسرائيل بشأن التهدئة طويلة الأمد في قطاع غزة تترافق مع إقامة ميناء يربط بين القطاع وتركيا وفق شروط أمنية محددة! هذا الأمر أثار قلق السلطة الفلسطينية التي ترى في اتفاق من هذا النوع تكريسا للانفصال بين قطاع غزة والضفة الغربية.

ربما الأمر لا ينطبق عليه بالضبط المثل القائل «عدو عدوي هو صديقي» ولكن المخاوف المشتركة بشأن الجماعات المتشددة التي تستلهم نهج تنظيم الدولة الإسلامية في غزة قد تعيد رسم العلاقات المعقدة بين «حماس» من جهة ومصر وإسرائيل من جهة أخرى.

والحديث كثير في غزة التي يقطنها 1.8 مليون نسمة عن تخل محتمل عن المواجهة مع إسرائيل وعن تثبيت وقف لإطلاق النار بشكل طويل المدى بعد هدنة توسطت فيها مصر وأنهت حرب غزة قبل نحو عام.

وهذا من شأنه السماح لـ«حماس» بتكثيف جهودها لتلجيم السلفيين الذين أعلنوا مسؤوليتهم عن هجمات صاروخية على إسرائيل في الآونة الأخيرة، وهو ما يفتح المجال لوصول مزيد من المساعدات التي تستخدم في إعادة الإعمار في غزة.

وفى اتجاه آخر فإن هناك مؤشرات على حدوث تغيير على حدود مصر مع قطاع غزة، حيث قامت الحكومة المصرية بفتح معبرها الحدودي مع غزة للمرة الأولى منذ ثلاثة شهور وسمحت للفلسطينيين بالتنقل في الاتجاهين، كما أصدرت محكمة مستأنف القاهرة للأمور المستعجلة بعد الطعن الذي تقدمت به الحكومة ممثلة في هيئة قضايا الدولة، حكما يقضي بوقف تنفيذ حكم أصدرته محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بإدراج حركة حماس ضمن المنظمات الإرهابية، الأمر الذي خفف حالة الاحتقان والتوتر اللذين عصفا بالعلاقة بين مصر وحركة حماس منذ تورط الأخيرة في أعمال عدائية ضد مصر، ويبدو أن التحركات الأخيرة والاتصالات التي تجريها الحركة مع مصر قد أتت أكلها، فقد صرح قيادي في الحركة عن تحسن العلاقات مع القاهرة خلال الأسابيع الأخيرة أثمرت فتح معبر رفح الحدودى وتخفيف الحملات الإعلامية في وسائل الإعلام !!

والأهم استئناف الاتصالات واللقاءات بين حماس والقاهرة، وبحسب تصريحات القيادات الحمساوية فإن هذه الاتصالات قد أثمرت فتح صفحة جديدة وترتيبات بين قيادة الحركة والمخابرات العامة أهمها إلغاء حكم اعتبار الحركة وذراعها العسكرية كتائب القسام إرهابية، يقابلها تعهد حماس بضبط الشريط الحدودي ومنع تنقل الأفراد والتهريب عبر الأنفاق.

تهدئة الجبهة الحدودية مع مصر بالنسبة لحماس أمر مهم وحيوي، يجعلها أكثر قدرة وتركيزا في لجم الجبهات المفتوحة داخليا متمثلة بالتكفييرين المتطرفين الذين برزوا على الساحة مؤخرا، ويشكلون مصدر تهديد لإسرائيل، فعلى مدى الشهور القليلة الماضية قام مبعوثون من أوروبا والأمم المتحدة وكذلك السفير القطري الذي يشرف على مشروعات إعادة الإعمار التي تقيمها قطر في غزة- بزيارة القطاع بصورة أكثر تواترا، وهو ما يعزز الاعتقاد بأنه توجد قناة جديدة فاعلة للهدنة.

ويعزز هذه الفرضية تأكيد حاييم تومير، الرئيس السابق لوحدة العمليات الخارجية في جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) الذي قال: «ليست هذه هي المرة الأولى التي ترسل فيها (حماس) رسالة مفادها أنها راغبة في مناقشة إبرام هدنة طويلة المدى مع إسرائيل» .

بلا شك فإن هذه التحركات تخدم الطرفين بعيدا عن السلطة الفلسطينية الرسمية التي وجدت في الاتصالات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل في شأن التهدئة في قطاع غزة مصدرا لقلقها، محذرة من تداعياتها السياسية لأنها ستكون على حساب وحدة الأرض والدولة والشعب، وهناك مخاوف من أن يكون ذلك تمهيدا للقبول بدولة ذات حدود مؤقتة، الأمر الذي سيترك آثارا مدمرة في الشعب الفلسطيني ووحدة أراضيه فثمنه سيكون فادحا أقله الخروج عن الإجماع الفلسطيني والقومي، فمن الطبيعي أن تسعى إسرائيل لهدنة في مقابل تسهيلات تأتي ضمن صفقة تسعى إسرائيل من خلالها إلى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية وربما يرافقها إغلاق جميع المعابر بالتزامن مع تنفيذ الميناء العائم لفصل غزة عن الضفة سياسيا وجغرافيا وتحويل قطاع غزة إلى كيان فلسطيني مستقل والاستفراد بالضفة عبر توسيع الاستيطان وخلق واقع يجعل المجتمع الدولي يتقبل فكرة البحث عن بدائل للدولة الفلسطينية على كامل الأراضي المحتلة عام 1967 في الضفة وغزة والقدس.