«خريطة التحرش» مبادرة لإنقاذ المرأة المصرية (فيديو)

كتب: عمر عبدالعزيز السبت 20-06-2015 12:03

أثناء عملها بإحدى منظمات المجتمع المدنى فى مصر فى عام 2005، تعرضت هى وزميلاتها فى العمل لكم هائل من محاولات التحرش «الفظيعة» وبصورة يومية، تقول عنها: «ما أزعجنا بصورة خاصة هو أنه ما من أحد ساعدنا، فهذه الأمور تحصل فى أى دولة وفى أى مكان وزمان، ولكن عندما يحصل ذلك ولا تجد من يساعدك، فهذا أمر مخيف ومرعب للغاية».

هكذا أثارت القضية، الأمريكية التى تعيش فى مصر «ريبيكا تشاو»، إحدى المؤسسات الأربع لـ«خريطة التحرش»، التى تعد مبادرة مهمتها إشراك كل فئات المجتمع بهدف خلق بيئة رافضة للتحرش الجنسى فى مصر، وقررت بعد أن تعرضت هى وزميلاتها للتحرش أن تتحرى الموضوع جيدا لتفهم ما إذا كان التحرش الجنسى ظاهرة منتشرة بالفعل فى المجتمع ككل، أم أنها نتاج حوادث فردية.

بعد إجراء استبيان موسع، أدركت «ريبيكا» - مع صديقاتها إنجى غزلان، أمل فهمى، سوسن جاد، اللائى كانت لهن تجارب شخصية مع ظاهرة التحرش «كونهن نساء يعشن فى مصر»، على حد تعبيرهن - الحجم الكبير للمشكلة التى تؤثر تقريبا على معظم نساء مصر، كما أدركت أيضا حاجة الكثيرين للقيام بشىء ما حيال هذه المشكلة.

وهكذا وبمساعدة الأصدقاء والمتطوعين، بدأت المبادرة بحملة تحت شعار «فلنجعل شوارعنا أكثر أمانا للجميع» لمعالجة ظاهرة التحرش الجنسى فى مصر والتى تبناها فيما بعد (المركز المصرى لحقوق المرأة)، قبل أن يتجه عام 2008، مع زيادة تناول وسائل الإعلام لقضية التحرش الجنسى، كثير من منظمات المجتمع المدنى المعنية بحقوق المرأة للعمل على الدعوة إلى كسب التأييد من أجل وضع قوانين تحد وتمنع التحرش الجنسى فى مصر، التى يعتبر التحرش الجنسى جريمة بها وفقا للقانون المصرى، ويحاكم مرتكبها استنادا إلى المادتين 306 (أ)، و306 (ب) من قانون العقوبات. وقد تمت بالفعل محاكمة متحرشين فيما سبق وفقا لهاتين المادتين، وتؤكد خريطة التحرش وجوب الاستمرار فى تطبيقهما. وقد تصل عقوبة مرتكب جريمة التحرش- سواء كان لفظيا، أو بالفعل، أو سلوكيا، أو عن طريق الهاتف أو الإنترنت- إلى السجن لمدة تتراوح ما بين 6 أشهر و5 سنوات، بالإضافة إلى غرامة قد تصل إلى 50 ألف جنيه مصرى.

فى المقابل بدلا من انتظار الحكومة حتى تقوم باتخاذ إجراءات ضد هذه الظاهرة، شعرت «ريبيكا» والمؤسسات الأخريات لخريطة التحرش بالحاجة الماسة لاتخاذ إجراء على أرض الواقع للتعامل مع ظاهرة التحرش الجنسى ومدى القبول المجتمعى لها. تقول: «كنا حتى فترة قصيرة لوحدنا نروج لهذه القضية حين بدأنا، لم يكن بإمكاننا حينها التلفظ بعبارة التحرش الجنسى».

وبعد مضى عدة سنوات من العمل على قضية التحرش الجنسى فى المجتمع المصرى، الذى أصبح «متقبلًا ومتسامحًا معها بشكل كبير ومتزايد»، على الرغم من التكوين الدينى له للمسلمين والمسيحيين، وبعد التحدث مع الكثير من الناس حول هذا الموضوع، ومشاركة الأفكار حول ما يمكن فعله لمحاربة وإنهاء تلك الظاهرة، بحسب الموقع الرسمى للمبادرة، تعرفت المؤسسات الأربع على تقنيتى « FrontlineSMS» و«Ushahidi» المتوفرتين بشكل مجانى، واللتين يمكن ربطهما معا واستخدامهما لإنشاء نظام يمكنه استقبال بلاغات مجهولة المصدر، واستخدامهما فى رسم خرائط لأماكن التحرش.

كانت هذه فرصة «عظيمة ومناسبة لا يمكن إغفالها» لبداية المبادرة المستقلة الأولى من نوعها فى مصر التى تعمل على هذه القضية، كرد فعل فى مواجهة تزايد مشكلة التحرش الجنسى فى شوارع مصر، والتى وصفت فى يونيو 2008، بحسب دراسة المركز المصرى لحقوق الإنسان فى القاهرة، بأنها مشكلة تشبه «مرضٍ متفشٍ». وبحسب الدراسة، فإن 83% من المصريات و98% من الأجنبيات قلن إنهن تعرضن للتحرش الجنسى فى مصر، فيما اعترف 62% من الرجال الذين تناولتهم الدراسة أنهم لجأوا إلى التحرش الجنسى، فيما ألقى 53% من الرجال باللوم على النساء بسبب «إثارتهم»، كما تشير الدراسة إلى أن الملابس المحتمشة أو المحترمة للدين الإسلامى لا تشكل رادعا كافيا حين يتعلق الأمر بالتحرش الجنسى.

حينها كان ما نسبته 97% من المصريين - نصفهم من النساء - يمتلكون هواتف محمولة، وبذلك يمكنهم بسهولة استخدام إرشادات المبادرة، ليستخدم موقع المبادرة بعد ذلك برنامج (Ushahidi) للخرائط، وهو البرنامج الذى استخدم أول مرة للإبلاغ عن العنف بعد الانتخابات فى كينيا فى عام 2008، ويسمح البرنامج للمرأة فى حالة تعرضها للمضايقة بأن ترسل تقريراً بما حدث لها عن طريق الـ(SMS) أو الـ(Facebook) أو(Twitter) أو البريد الإلكترونى، ويشمل التقرير الموقع الذى حدث فيه التحرش ونوعيته، وتتلقى النساء تقريرا من الموقع فيه معلومات للدعم ونصائح عن كيفية إبلاغ الشرطة.

عقب ذلك، يقوم أصحاب المبادرة عن طريق فريق من المتطوعين بالنزول إلى الشارع والقيام بلقاء المواطنين فى الأماكن التى تم التبليغ عن تحرش جنسى بها، من أجل تعبئة المجتمع، فى محاولةٍ لكسر القوالب والصور النمطية، والتوقف عن تقديم الأعذار المختلفة للمتحرشين، وإقناع الناس بالتحدث والتحرك ضد ظاهرة التحرش الجنسى، ويقوم القائمون على المشروع فى هذه المرحلة بربط القيم التى تصلهم عن طريق الـ«Online» والعمل المباشر على الأرض أو ما يسمى «Offline» - بحسب إباء التمامى، مديرة التسويق والاتصال لمبادرة «Harassmap».

«نحن سعداء جدًا لملاحظة أن التحرش الجنسى انتقل من كونه أحد الموضوعات المحرم التحدث عنها إلى موضوع تتم مناقشته بشكل موسع ومعالجته من قبل العديد من المبادرات الجديدة المستقلة»، هكذا يقول مسؤولو المبادرة عبر موقعهم الالكترونى (harassmap.org) بعد إعلان احتضان جمعية (نهضة المحروسة) وهى منظمة غير حكومية مصرية للمبادرة.. ثم يضيفون: «أما التغيير الذى نسعى له فقد بدأ بالحدوث فعلًا فى شوارع مصر، حيث وجدت فرق العمل المجتمعى الخاصة بنا أثناء تنفيذها أيام التوعية الميدانية فى مناطقهم السكنية والأحياء المجاورة أن حوالى 8 من كل 10 أشخاص قد تجاوبوا معهم ووافقوا فى نهاية المحادثة على أن يقوموا بحراسة الحى والتصدى للمتحرشين».