هزيمة المتأسلم أردوغان.. ليست الأولى ولا الأخيرة

رفعت السعيد الجمعة 19-06-2015 21:40

ليست هزائم التأسلم السياسى المتتالية مرسى- الغنوشى- أردوغان مجرد مصادفات متلاحقة. فالتأسلم السياسى القائم على فكرة الخلافة والتى تحكمها أضلاع ثلاثة: تأسلم- فساد- استبداد، أيديولوجية لا يمكن أن يستقيم وجودها أو استمرارها عبر آليات الديمقراطية. فمهما مارس المتأسلمون الخداع والتمسح بالدين والقول بتطبيق الشريعة والالتزام بسماحة الإسلام فإن مجرد وصولهم إلى السلطة عبر الانتخاب - سواء كان شفافا أو مزورا- فإن الطبع لا يلبث أن يغلب التطبع.. (والتاء هنا تعنى تقديم صورة زائفة ومخادعة.. مثل تاء التأسلم) ويبدأون فى التسلط واحتكار كل مفاصل السلطة والفساد والإفساد، فلا تلبث الجماهير أن تصفعهم إما بثورة شعبية مثل 30 يونيو أو بثورة تصويتية مثل الغنوشى وأردوغان. وما من جديد، فهكذا كان الأمر دوما. ويحكى لنا السيوطى فى كتابه «الإتقان فى علوم القرآن» (ص48) «كان الخليفة عبدالملك بن مروان (حكم فى الفترة 73-86 هجرية) عابدا ناسكا زاهدا فى المدينة قبل خلافته، وقال نافع: ما رأيت فى المدينة شابا أشد تشميرا ولا أفقه ولا أنسك ولا أقرأ لكتاب الله من عبدالملك بن مروان حتى سماه الناس حمامة المسجد، فلما أتاه خبر مبايعته بالخلافة وكان المصحف فى حجره أطبقه قائلا: «هذا آخر عهدنا بك».. وبعدها وقف خطيبا فى الناس «أيها الناس لست بالخليفة المستضعف (عثمان)، ولا بالخليفة المداهن (معاوية) ولا بالخليفة المأفون (يزيد). ألا لا أداوى أدواء هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم لى قناتكم، والله لا يفعلن أحد فعله إلا جعلتها فى عنقه، والله لا يأمرنى أحد بتقوى الله بعد مقامى هذا إلا ضربت عنقه». ويقول سليمان فياض فى كتابه «الوجه الآخر للخلافة» (ص43) أتى العباسيون يترأسهم أبوالعباس السفاح فكانت نعرة الثأر لبنى هاشم من جرائم بنى أمية ضدهم، وجعل ثأر الواحد من بنى هاشم ثلاثمائة أموى، وإذ حاول مصالحتهم وصاح شاعر هاشمى:

«لا يغرنك ما تـرى من رجال/ أن تحـت الضلـوع داء رويـا».

فضع السيف وارفع السوط حتى / لا ترى فوق ظهرها أمويا. فتراجع.

وفيما كان السفاح يجرى دماء الأمويين أنهارا كان يخطب «الحمد لله الذى اصطفى الإسلام لنفسه فكرمه وشرفه وعظمه واختاره لنا، وأيده بنا وجعلنا أهله وكهفه وحصنه، والقوام عليه، الزادين عنه والناصرين له». ألم أقل ما من جديد، مرسى قال متأسلما وفعل العكس، وكذلك الغنوشى ثم أردوغان وكانت هزيمته ساحقة. فأردوغان التزم تماما بالمثلث «تأسلم- فساد- استبداد» وحسب كل حساباته على أنه باق فى الحكم، وسيحصل عل أغلبية ثلثى البرلمان، لينهى أسطورة الالتزام بالدولة العلمانية بعد أن جردها من كثير من معانيها وليعلن نفسه خليفة للمسلمين. وكان الفساد فادحا وجسيما وأقام لنفسه قصرا ليضاهى قصور الخلفاء العثمانيين، وسرق ونهب وطرد مئات القضاة ورجال الشرطة الذين حاولوا فتح ملفات فساده، وتحالف مع داعش مدعيا أنها ليست خطرا على تركيا ومستندا إليها فى تدمير وتفكيك العراق وسوريا، ليمدد نفوذه إلى هناك بأمل أن تتمدد خلافته فيما كان إمبراطورية عثمانية ثم وبعدها يتخلص من داعش والقاعدة، وتحالف سرا وعلنا مع نتنياهو وأقام لنفسه قاعدة عسكرية فى قطر لتكون فى خدمة القاعدة الأمريكية هناك، وركز كل هجومه ضد مصر بأمل هزيمة ثورتيها وهو صاحب شعار رابعة، واحتضن كل صنوف الإرهابيين المصريين من إخوان ومتأخونين ومتأسلمين من مختلف الأصناف، محاولا أن يقيم لنفسه ركائز فى مصر تمكنه من أن تمتد إمبراطوريته العثمانية إلى الدولة السنية الكبرى، وحاضنة الأزهر الشريف قبلة المسلمين السنة فى كل العالم، فيصبح بذلك خليفة عثمانيا حقا، ولكن الشعب التركى صفعه بصناديق الانتخابات، ألم أقل من البداية إن التأسلم السياسى لا يمكن أن يتحقق عبر آليات الديمقراطية، فإن تحقق فإن ذات الصناديق الانتخابية سوف تطيح به، لأن التسلط يفرض بل يفترض رفض الآخر، ويستبعد أى مختلف سواء فى الفكر أو الرأى أو الدين أو الطائفة.. أو أى شىء. ولأن التسلط المتأسلم لا يسمح للآخر بمزاحمته فى جشع الاستيلاء على مفاصل السلطة ولا فى نيل أى فتات من كعكتها (ألم يفعل مرسى ذلك مع حلفائه ومناصريه بل وخدمه أحيانا من المتأسلمين سواء فى حزب الوطن أو حزب النور؟) والحقيقة أن أردوغان كان فى أشد الحاجة لإحكام قبضته على السلطة لتوسيع مساحة تسلطه ليحكم قبضته على عنق تركيا العثمانية لأنه يدرك حجم ما ارتكب من جرائم وفساد وإفساد ونهب واستبداد وأن إفلات قبضته ولو بأقل قدر سيعنى قطعا أن يقف فى قفص مماثل لقفص حليفه مرسى، وهنا سيكون سجنا طويلا أو حتى إعداما.

والواقع أن الاستبداد يغرى بالفساد، والفساد يغرى بالمزيد من الاستبداد خوفا من نهاية لا يحتملها المستبد. والآن وقع أردوغان فى قفص الديمقراطية وبرغم التزوير والتهديد والترويع والصياغات المتأسلمة والادعاءات الكاذبة يقف الآن عاريا أمام خصوم أرهقهم بظلمه واستبداده وفساده وأتى يوم يقول له فيه رئيس الحزب الكردى «أعدك بمحاكمة عادلة على ما ارتكبت من جرائم». ولا يبقى أمامه سوى ثلاثة احتمالات كل منها أشد مرارة من الآخر، فإما أن يشكل حكومة «أقلية» تصبح «ملطشة» يتعرض بها لضغوط وتحقيقات واتهامات غير محتملة، وإما أن يعصر حزب آخر على نفسه ليمونة ويقبل مشاركته فى الحكم، وهذا سيعنى أيضا فتح ملفات الفساد والاستبداد، وإما انتخابات جديدة يثق الجميع أنها ستكون فرصة لمزيد من الصفعات ومزيد من السقوط.. أرأيتم أن التأسلم السياسى مهما تلون لا يحكم إلا بالقهر والاستبداد، وإلا فهل يتخيل أحد أن البغدادى الذى أعلن بحماقة خلافته أو الظواهرى الذى ينافسه فى الحماقة، يمكنه أن يلجأ إلى صناديق الانتخاب؟ طبعا لا. لأن التأسلم والخلافة يقومان على فكرة «ولاية المتغلب» فالتأسلم والخلافة لا يكونان إلا بالاستبداد فى زمن لم تعُد فيه الشعوب تتقبله أو تتحمله.

waseem-elseesy@hotmail.com