أعتقد أن نجاح مهرجان «الغش للجميع» المتواصل ومنقطع النظير والذى نعايشه كل عام فى امتحانات الثانوية العامة، أمر يدفعنا إلى أن نكون واقعيين ونعلن إلغاء هذا النظام برمته «أى الامتحانات» وما يستتبعه من السوق السنوية المعتادة «مكتب التنسيق»!!
واقع الحال يكشف عن حقيقة صادمة وهى أن امتحانات الثانوية العامة لم تعد مقياسا للتفرقة بين طالب مجتهد وآخر غيره، فالجميع سيتساوى فى النهاية بعد أقل من نصف ساعة من بداية الامتحان فى أى مادة من تلك المواد «المتخلفة» المفروضة على طالب المرحلة والتى لا تتماشى مع ما نستهدفه من تطوير التعليم!
دقائق قليلة وتبدأ شبكات التواصل الاجتماعى فى مهمتها بنقل الإجابات النموذجية على أسئلة الامتحان إلى الطالب فى لجنته، ليقتصر دوره فى هذه الحالة على إعادة نقل ما يراه على شاشة «الموبايل» إلى مادة مكتوبة فى كراسة الإجابة التى تظل «ناصعة البياض» إلى أن يتلقى إشارة بأن الإجابة وصلت بسلامة الله إليه!!.
ولأن «الموضة» هذه الأيام هى الدعوة إلى التفكير «خارج الصندوق» فإن إلغاء الامتحان قد يكون مقترحا عمليا بحيث ينتقل الطالب – فور انتهاء العام الدراسى – إلى مقعد الجامعة دون امتحان توفيرا للنفقات والأعباء المالية الملقاة على عاتق الدولة والمتمثلة فى ملايين الجنيهات التى يجرى استنزافها فى طباعة الأسئلة، ونقلها عبر أسطول الطائرات وتكاليف حراسة اللجان الأمنية المكلفة بضمان نقلها إلى اللجان دون تسريب!
بهذا الاقتراح فإن ميزانية الدولة لن تكون الرابح الوحيد من تطبيقه بل سيكون رب الأسرة هو «الرابح الأكبر» بتوفير ما ينفقه من أموال على الدروس الخصوصية التى تستنزف أكثر من دخله فى أحيان كثيرة!
ما يسرى على الامتحانات يسرى أيضا بالتبعية على مكتب تنسيق القبول بالجامعات الذى يجب أن يقتصر دوره فى هذه الحالة على تنظيم إلحاق الطلاب بالجامعات من خلال: إما توزيعهم على الكليات وفق وزن الطالب أو طوله أو هيئته، وإما بـ «القرعة» تطبيقا لمبدأ تكافؤ الفرص أمام الجميع وتحقيقا لـ«الشفافية» التى أدمنا جميعا التشدق بها، وبحيث لا تفرض على أى كلية جامعية زيادة أعداد المقبولين بها، إذ سيقتصر إجراء هذه القرعة فى العام التالى على من لا يسعده الحظ فى الفوز بـها أول مرة!
أعتقد أن هذا الاقتراح سيؤدى إلى وقف مهزلة كل عام وسينير الطريق أمام «الثانوية العامية» وإلا إذا أصر القائمون على أمر التعليم على «عماهم» والاكتفاء برفع الشعارات المتكررة والرتيبة على غرار «أن جميع الأسئلة من المنهج وكتب الوزارة.. وأنها فى مستوى الطالب المتوسط والخفيف ووزن الريشة كمان.. وأن هناك استعدادات أمنية مكثفة لضمان عدم تسربها إلى شبكات التواصل الاجتماعى»، فإن الحل فى هذه الحالة لن يخرج عن الاستعانة بـ «روى» وهو كلب الراحل صالح سليم فى فيلم «الشموع السوداء» ليضمن لهؤلاء المسؤولين السير بسلام فى طريقهم المنحدر!!