لا أنسى ذلك المواطن العُمانى الجالس بجوارى فى الطائرة ذات يوم، وسألته عن آخر الأخبار الرسمية فى سلطنة عمان، فرد قائلا: مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم لم يصدر مراسيم سامية خلال الأيام الماضية، لنتأمل الرد جيدا، ولنر كم ورد به من صفات ومصطلحات الاحترام والتوقير لرأس الدولة فى غيابه، فما بالنا فى حضوره، هكذا نشأت بعض الشعوب، وهكذا كانت تربية أبنائها.
وبعيدا عن حالة الاستقطاب التى يعيشها مجتمعنا سياسيا، طوال السنوات الأربع الماضية، والتى يطول البحث فيها، أجد لزاما علينا فتح الملف الأخلاقى على كل المستويات، السياسية والاجتماعية والنفسية والتربوية، للوقوف على أسباب وطرق علاج هذه الحالة التى وصلنا إليها من تدن فى المعاملات بصفة عامة، غابت معها كل القيم، سواء فيما يتعلق بالمستوى الفوقى، حين ذكر اسم رأس الدولة والافتئات عليه، أو مع رب العمل المباشر والخوض فيه، أو حتى على مستوى رب الأسرة والتجاوز معه.
بالتأكيد خلال السنوات المشار إليها تحديدا، طال التدنى كل شىء تقريبا، مادام التجاوز قد بلغ مداه مع رئيس الدولة، فيما بعد ٢٥ يناير ٢٠١١، ثم باقى قيادات الدولة، مرورا بفترة حكم المجلس العسكرى وتداول شعار (يسقط حكم العسكر)، ثم فيما بعد ذلك أيضا، ثم حالة لاستقطاب الحالية التى لم يعد خلالها أحد يتحمل الآخر، ليس فيما يتعلق بالرأى فقط، بل ربما من حيث الشكل أيضا.
فى الشارع كما فى المقهى، كما فى مواقع التواصل الاجتماعى، كما فى برامج التوك شو الفضائية، أسلوب الحوار واحد، كما مصطلحاته، هو فى حقيقة الأمر ليس حوارا، بقدر ما هو أقرب إلى الردح، ارتفاع وتيرة العصبية والتعصب الطائفية والتطرف الهمجية والتشدد الجهل عامل مشترك فى معظمها، الاستقطاب سيد الموقف، من ليس معنا فهو ضدنا، هكذا تعاملت الجهات الرسمية، بالتالى كان الأفراد كذلك. هكذا كان أداء وسائل الإعلام، بالتالى كان الشارع كذلك. هكذا كانت لغة الخطابة حتى على المنابر، بالتالى كانت لغة العامة كذلك.
كان يجب أن تشغل هذه القضية بالنا جميعا، بصفة خاصة أساتذة علم النفس، كما الاجتماع، كما التربويين، كما السياسيين، هى أزمة يتم تصديرها الآن للأجيال المقبلة، هذا هو مكمن الخطر، البعض قد يتصور أن الدولة الرسمية مهتمة الآن بما هو أهم، بالاقتصاد مثلا، أو بالطرق والكبارى، أو حتى بالأمن، لم يدرك هؤلاء أن بناء الإنسان هو الذى سوف يحقق كل ذلك، سوف ندرك معه أهمية العمل، سوف نعيش معه قيمة الوطن، سوف يعود معه تدريجيا ما ننشده من أمن وأمان.
الأزمة الحقيقية تتمثل فى أن الكل أصبح مشاعا، ليس للنقد، إنما للتشفى والغل والافتراء، وما دمنا قد قبلنا إهانة تلك القيادة، فهى متوالية لن تتوقف، الكل واقعون لا محالة تحت طائلة الإهانة، بل ربما تحت مقصلة الظلم، الذى قد يشكل متوالية هو الآخر، لن يحق لأحد أن يتفرد بفرض احترامه على الناس، مادام قد قبل ذلك فيمن قبله. قس على ذلك فى كل المواقع، حتى فيما يتعلق برب الأسرة الذى كان عاقا فى الماضى، بالتأكيد لن يحق له الشكوى حين يشرب من نفس الكأس.
إنها المتوالية.