الشهر نفسه

نيوتن الخميس 18-06-2015 22:42

كنت فى زيارة لابنتى. عندما كانت تدرس فى لندن. أحسست بآلام شديدة. استدعت استشارة طبيب. نصحتنى ابنتى بزيارة طبيب. تتردد عليه عند الحاجة. يقارب الفندق الذى أنزل فيه. ذهبت إليه. وجدته يشغل غرفة من عدة غرف فى بدروم أسفل أجزخانة. وجدت صورة له بالملابس العسكرية معلقة على الحائط. كان يطلق لحية خفيفة ظاهرة فى الصورة أيضاً. توقعت من ملامحه أن يكون من باكستان. عندما سألته: قال أنا من إيران. جاوبته: مسلم أنت إذاً؟. نفى لى ذلك. قال إنه من أقدم ديانة فى العالم. ظهرت من 4 آلاف عام. ديانة الزوراستريان (Zorastrianism). أى عبدة النار. جزعت للوهلة الأولى. هو من الكفار إذاً. المجوس لدىّ من عبدة النار كعبدة الأوثان. تمالكت نفسى بينما استمر هو فى كشفه. الضغط. ضربات القلب... إلخ.

سألته: هل فى ديانتكم تصلون؟. قال: نعم خمس مرات فى اليوم. دهشت من المصادفة. سألته عن توقيتات الصلاة قال: الفجر. الظهر. العصر. المغرب. العشاء. تملكتنى الحيرة. بعدها بدقائق استجمعت نفسى وسألته: هل تصومون؟. أجابنى. نعم نصوم ولكن شهراً قمرياً واحداً كل عام. نبدأ الصيام من الفجر إلى المغرب. لا نأكل شيئاً ولا نشرب شيئاً سوى الماء. زادت دهشتى ودهشة من حولى. زوجتى وابنتى.

تطاولت بعد ذلك لأسأله: هل تؤدون الزكاة؟. قال: نعم. فثلث ما نكسبه لى ولأولادى. الثلث الثانى لمهنتى أياً كانت. علينا تطويرها. أما الثلث الثالث فللمحتاجين. هذه هى الزكاة. سألته: هل هذا قاصر على المحتاجين من ديانتكم؟. جاوبنى بأن هذا الثلث للمحتاجين من أى دين أو ملة. لا نفرق بين محتاج وآخر. قلت له: ما الفارق إذاً بين ديانتكم وأى ديانة أخرى؟. أجاب: للنار وضع خاص لدينا. نحن نحترم النار. نقدسها. هى لدينا رمز الله. هى رمز الطاقة التى تدير السماوات والأرض. مثلاً إذا وقف شخص يطهو أمام النار. فعليه تغطية فمه بكمامة. حتى يتفادى أى رذاذ يخرج من فمه إلى النار. كما أن التدخين لدينا محرم. ففيه استهانة وعدم احترام للنار. فهى لم تُجعل لنتسلى بها ونعبث.

■ ■ ■

خرجت من لديه مشدوها بما قال. بعدها بخمس سنوات كنت فى لندن. احتجت طبيباً. تذكرت ذلك الرجل الإيرانى وتذكرت عنوانه. ذهبت إليه. تطور حاله. توسع نشاطه. أصبح يشغل كل الغرف أسفل هذه الأجزخانة. جاء إليها بمتخصصين فى فروع أخرى من الطب. تساءلت: معنى هذا أن الإنسان منذ الخليقة كان يبحث عن الله. وجده وعبده. فى أى شكل وفى أى صورة. لم تكن الأديان السماوية الثلاثة قد نزلت بعد. ولكنه استوجد ربه فى أى شكل آخر. بعد هذه التجربة يصعب علىّ أن أرى مثله كافراً. عندما تمسك بما لديه. ربما وقتها لم يكن مؤهلاً ليستوعب تلموداً أو إنجيلاً وبعده قرآناً.