سباق مجنون ومجتمع فقد عقله

ياسر أيوب الخميس 18-06-2015 22:43

أظن أنه قد آن أوان الفصل بين ما يتقاضاه لاعبو كرة القدم فى مصر.. والسباق الساذج والدائم والمجنون بين الأهلى والزمالك وما يتسبب فيه من أسعار مغالى فيها للاعبى الكرة..

ولست أحب الكتابة عن أجور لاعبى الكرة وكأنها تحريض للناس لكراهية هؤلاء اللاعبين والحقد عليهم أو السخرية منهم.. ولا أفهم المنطق الذى يستند إليه أصحاب تلك الكتابات وهم يسخرون من الواقع الكروى المصرى، حيث لاعب الكرة يتقاضى أضعاف ما يناله المفكرون وأساتذة الجامعة والأطباء والمهندسون والعلماء.. فهذا ليس خللا مصريا إنما واقع يعرفه ويعيشه العالم كله.. وأى أستاذ فى أعرق جامعة أوروبية لا يحلم حتى بواحد من مائة مما يتقاضاه نجوم الدورى الإنجليزى أو الإسبانى أو الإيطالى أو الألمانى.. ونجم الكرة فى الولايات المتحدة يتقاضى أضعاف ما يتقاضاه الرئيس الأمريكى وأى عالم وأستاذ فى أى جامعة أمريكية..

فلا داعى لأن نجلد أنفسنا ونتباكى على حالنا وموازيننا المختلة والمعكوسة.. أما الذى يستحق التوقف بالفعل فهو ذلك السباق بين الأهلى والزمالك والمزاد المفتوح منهما طوال الوقت، والاستعداد لسكب المزيد من المال على الأرض لخطف أى لاعب من النادى الآخر.. وفى الموسم الحالى.. أنفق الأهلى ما يزيد على تسعة وخمسين مليون جنيه أجورا للاعبى فريقه الأول وللتعاقد مع لاعبين جدد، وأنفق الزمالك قرابة أربعة وخمسين مليون جنيه.. والناديان على استعداد لإنفاق ملايين جديدة قبل الموسم الجديد، لكنهما ليسا على استعداد للإمساك بورقة وقلم لحساب حجم الإنفاق وما الذى جاءت به الكرة من إيرادات.. وهى خطوة أساسية قبل حسبة أخرى تتعلق باللاعبين الجدد والملايين التى سيجرى إنفاقها.. هل الفريق يحتاج بالفعل هذا اللاعب الجديد أم لا؟.. وهل هذه الحاجة تستحق كل تلك الملايين التى سيتم دفعها؟.. وهل يمكن البحث عن بديل لهذا اللاعب بتكلفة مالية أقل؟..

وأغلب الظن أنه لا أحد يقوم بمثل هذه الحسابات أو ينشغل بها أصلا.. فالدوافع كلها تتعلق بالوجاهة الإعلامية ومن الذى خطف اللاعبين من الآخر.. ولا ألوم إدارة الأهلى أو الزمالك، لأنها باتت ثقافة مجتمع كاد يفقد عقله ويستسلم تماما للعبث والحماقة والجنون.. إلى حد أن أصبح تبادل خطف اللاعبين والحصول على توقيعاتهم أقرب لأن يكون بطولة منفصلة ومستقلة لها نتائجها وجمهورها وتاريخها أيضا.. ولا أود أن يعارضنى أحد مردداً تلك العبارة التى كثر ترديدها وأُسىء استخدامها وتأويلها كثيرا وطويلا..

عبارة أن هذا هو الاحتراف، وتلك هى قواعده.. فالاحتراف له قواعد يحترمها الجميع إلا هنا فى مصر.. وليس هناك النادى الأوروبى الذى يشترى لاعبا لمجرد الوجاهة.. كما أن هناك حسابا دقيقا فى نهاية كل موسم بالخسائر والأرباح، وحملة أسهم يجتمعون للنقاش والسؤال والمراجعة.. والمبالغ التى يجرى دفعها لشراء النجوم يجرى استردادها من شباك تذاكر ورعاية وبث تليفزيونى وإعلانات لهؤلاء النجوم وفانلات بأسمائهم.. وكلها أمور لا وجود لها فى مصر، التى لاتزال قادرة على التظاهر باحتراف كرة القدم.