ماذا تعلمنا من تجربة كوريا الجنوبية مع فيروس كورونا الجديد (MERS)؟

إسلام حسين الثلاثاء 16-06-2015 22:04

كتب: د. إسلام حسين

باحث متخصص في علم الفيروسات - جامعة MIT بالولايات المتحدة الأمريكية

تبدأ قصة فيروس كورونا الجديد، المُسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، في جدة بالمملكة العربية السعودية و تحديداً في شهر يونيو 2012، حينما إستقبلت مستشفى الدكتور سليمان فقيه مريضاً يعاني من أعراض تنفسية حادة. تفاقمت هذه الأعراض بسرعة شديدة، و إنتهت بوفاة المريض في خلال 11 يوماً فقط، دون أن يدرك الأطباء الذين تابعوا الحالة السبب الحقيقي وراء هذه الوفاة السريعة. و كاد ملف هذه الحالة الغامضة أن يٌطوى نهائيا، لولا الفضول العلمي لطبيب مصري كان يعمل في المعمل التشخيصي المُلحق بالمستشفى، هو الدكتور علي زكي، الذي قرر أن يستكمل فحص العينات، التي تم تجميعها من المريض قبل الوفاة، في رحلة مثيرة إنتهت بإكتشاف فيروس جديد، أُطلِقَ عليه فيروس كورونا الجديد. و نظراً لمكان إكتشافه في الشرق الأوسط، أُطلق عليه لاحقاً فيروس Middle East Respiratory Syndrome أو MERS. ينتمي هذا الفيروس إلى عائلة من الفيروسات، تُعرف بالفيروسات التاجية نسبةً إلى شكل البروتينات التي تُزَينْ سطح الفيروس الخارجي و التي تشبه إلى حد كبير التاج الملكي. منذ حوالي 10 سنوات، خرج من نفس العائلة فيروس آخر عُرِفَ ب SARS، تسبب في وباء عالمي أثار ذعر البشرية و راح ضحيته المئات.

تنتقل عدوى فيروس MERS بالإحتكاك المباشر عن طريق إستنشاق الرذاذ المتطاير من المريض أثناء العطس أو الكحة، أو بشكل غير مباشر عن طريق لمس الأسطح الملوثة بالفيروس و منها إلى الأنف أو العين. لا تزال الصورة غير مكتملة فيما يتعلق بدورة حياة الفيروس خارج جسم الإنسان، و لكن إستطاع العلماء تحديد الخفاش كعائل طبيعي، تنتقل منه العدوى إلى الجِمال و التي تعيش على مقربة من البشر في بعض مناطق الخليج العربي. غير معلوم على وجه التحديد كيف تنتقل العدوى من الجِمال إلى الإنسان، و لكن على الأرجح كل سُبُل الإحتكاك المباشر أو الغير مباشر بالجِمال المصابة أو السوائل التي تخرج منها يلعب دوراً في نقل العدوى. لذلك أوصت منظمة الصحة العالمية بتفادي الإحتكاك بالجِمال أو أكل لحومها الغير مطهية جيداً، أو شُرب ألبانها الغير مبسترة. أيضاً قد تنتقل العدوى عن طريق شُرب بول الجَمَل، الذي يلجأ إليه البعض للتداوي من بعض الأمراض دون توفر أدلة علمية كافية، و لذلك تنصح منظمة الصحة العالمية بتجنب هذه الأفعال تماماً.

و بعد تشخيص الحالة الأولى في جدة، تم تسجيل عدد طفيف من الإصابات بفيروس MERS في أماكن متفرقة من العالم، و لكنها كانت مرتبطة بحركة المسافرين من شبه الجزيرة العربية عبر وسائل النقل الجوي. إزداد معدل الإصابات، في المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، بشكل ملحوظ في الفترة ما بين مارس و يونيو من العام الماضي. كان هناك تخوف شديد من تحول هذه البقعة من الإصابات إلى وباء عالمي جديد بعد إنتقال العدوى مع مسافرين مصابين إلى أنحاء مختلفة من العالم، هذا بالإضافة إلى موسم الحج الذي يُمَثِل واحد من أكبر التجمعات البشرية على الإطلاق. لحسن الحظ، لا ينتشر فيروس MERS بين البشر بسهولة، فهو يحتاج إلى إحتكاك مباشر مع الشخص المصاب. مضى موسم الحج بسلام، و تمت السيطرة على حالات الإصابة التي حدثت خارج الشرق الأوسط. و لكن مع إنحسار موجة الإصابات في بداية النصف الثاني من عام 2014، إلا أنها لم تختفي تماماً، بل ظلت تظهر بشكل متقطع. منذ أسابيع قليلة، تم تسجيل أول حالة إصابة في كوريا الجنوبية، إتسعت بعدها رقعة الإصابة بشكل كبير و سريع، حتى سجلت في خلال أيام أعلى معدلات إصابة حدثت خارج المملكة العربية السعودية.

هناك بعض الدروس المهمة التي نستطيع أن نتعلمها من تجربة كوريا الجنوبية مع فيروس MERS، و تتلخص في الآتي:

١- فيروس MERS ضيف ثقيل و ليس ببعيد

إنتقل فيروس MERS إلى كوريا الجنوبية مع عودة رجل أعمال كوري كان في زيارة لمنطقة الخليج العربي. هذا السيناريو قابل للحدوث في أي وقت و مع أي دولة أخرى. إذا إتخذنا مصر كمثال، سنجد أن العديد من العاملين بدول الخليج يعودون إلى وطنهم في هذا الوقت من العام لقضاء أجازاتهم الصيفية، هذا بالإضافة إلى معتمري شهر رمضان الكريم. في خلال أيام قليلة، وصل عدد الحالات في كوريا الجنوبية إلى 154، منهم 19 حالة وفاة، و لا تزال الأعداد في إزدياد. هناك أيضاً الألاف من الحالات المشكوك فيها التي تخضع حالياً للملاحظة الطبية الدقيقة و قرى كاملة معزولة طبقاً لقواعد الحجر الصحي. بشكل عام، يصل معدل الوفيات نتيجة لعدوى فيروس MERS إلى حوالي 36%. لا تأتي هذا الأوبئة الفيروسية بمشاكل صحية و خسائر في الأرواح فقط، و لكنها تجلب معها شعور بالقلق و عدم الإستقرار يؤدي إلى الكثير من الخسائر الإقتصادية. إلغاء الرحلات السياحية هو أبسط الأمثلة على هذه الخسائر، و لكنها قد تتفاقم إذا إتسعت دائرة الوباء بما قد يؤثر على حركة التجارة الخارجية. تظهر هذه التخوفات واضحة في قرار البنك المركزي الكوري الذي صدر مؤخراً بتخفيض سعر الفائدة كمحاولة لتقليل حجم الضربة التي يتلقاها إقتصاد الدولة بسبب تسارع معدل الإصابات بفيروس MERS.

٢- التشخيص السريع عامل فاصل في القضاء على أي نواة للعدوى في مهدها

تتسبب عدوى فيروس MERS في حُمّى و أعراض تنفسية تشبه إلى حد كبير أعراض نزلة البرد، و لذلك في غياب التفاصيل الدقيقة لتاريخ الحالة التي ترجح عدوى ال MERS، قد تمر الحالة دون تشخيص سليم. هذا تحديداً ما حدث مع رجل الأعمال الكوري العائد من الخليج بعدوى ال MERS؛ إشتكي من أعراض تنفسية و لكن لم ينتبه الأطباء الذين قاموا بفحصه إلى عودته مؤخراً من منطقة الشرق الأوسط، فوصفوا له علاج نزلات البرد. و لكن الحالة لم تتحسن، فظل يتنقل بين المستشفيات إلى أن إنتهى به الحال في مركز سامسونج الطبي في العاصمة الكورية سيول، و هناك فقط إنتبه الإطباء إلى إحتمالية الإصابة بفيروس MERS و تم تشخيص الحالة بعد إجراء الفحوصات المعملية اللازمة. إستغرق تشخيص هذه الحالة 9 أيام كاملة، زار خلالها هذا المريض 4 مراكز صحية مختلفة، مما أدى إلى إنتقال العدوى إلى ما يزيد عن 30 شخص. السبيل الوحيد لتجنب مثل هذه السيناريوهات هو توعية المسافرين بالمرض و الظروف التي تسهل إنتقاله من ناحية، و الأطباء بطرق تشخيصه من ناحية أخرى، مما يساعد بشكل كبير على التعرف السريع على الحالات الأولية، و من ثَم إحكام السيطرة عليها قبل إنتشار العدوى إلى بقعة أكبر.

٣- السيطرة على العدوى داخل المراكز العلاجية و الشفافية في تداول المعلومات يمثلان جزء كبير من الحل

المستشفيات هي أكثر البيئات خصوبةً لإنتشار عدوى فيروس MERS. ظهر هذا واضحاً في كلاً من المملكة العربية السعودية و كوريا الجنوبية، حيث تمركزت العدوى في المراكز الصحية و سُجِّلَت أغلبية الحالات في الأشخاص العاملين بنظام الرعاية الصحي. لم تحول المنظومة الصحية الكورية المتقدمة نسبياً دون إتساع دائرة عدوى ال MERS. لحسن الحظ لا يوجد حتى الآن دليل علمي يؤكد أن فيروس MERS الموجود في كوريا الجنوبية إكتسب طفرات منحته قدرة على الإنتشار بين البشر بسهولة أكثر من المعتاد. عدم إتباع القواعد الصارمة في السيطرة على العدوى داخل المستشفيات كان له دور الأسد في هذه النتيجة المؤسِفة. ساهم في ذلك أيضاً سلوك المريض الكوري الذي يميل إلى زيارة أكثر من طبيب أو مركز صحي بحثاً عن رعاية أفضل. لم تتخلى عائلات المرضى عن عاداتها في العناية بمرضاهم عن قُرْب، فسَّهَل هذا من إنتقال العدوى من المرضى إلى ذويهم. رفضت الحكومة الكورية الإعلان عن أسماء المستشفيات المُعالِجة لحالات ال MERS، خوفاً من نشر الشعور بالرعب بين المواطنين، و لكن للأسف أتى ذلك القرار بنتيجة عكسية تماماً. عدم توافر هذه المعلومات لم يساعد الأصحاء على أخذ الإحتياطات اللازمة في أماكن تمركز العدوى، فساعد ذلك على إنتشارها. تحت ضغوط من وسائل الإعلام، قررت الحكومة إعلان أسماء المستشفيات، و لكن جاء هذا القرار متأخراً بعد إسبوعين و نصف من تأكيد حالة الإصابة الأولى. تزامنت هذه الهفوات، التي حدثت في إطار منظومة صحية لدولة يُنظَر لها على أنها في مصاف الأقوياء، مع الحوار المجتمعي الدائر حالياً في مصر و الذي أشعله عدم رضاء السيد رئيس الوزراء عن مستوى الرعاية الطبية بعد زيارته لأحد المؤسسات الصحية المصرية. و في ظل ظهور MERS و أمثاله من الفيروسات الخطيرة، لا يوجد أمامنا سوى إختيار واحد ألا و هو رفع كفاءة منظومة الرعاية الصحية المصرية. مجرد التفكير فقط في أي سيناريو آخر يدعو إلى القلق!

باحث متخصص في علم الفيروسات - جامعة MIT بالولايات المتحدة الأمريكية