حديث الثلاثاء.... سامحونى

مي عزام الإثنين 15-06-2015 21:34

لم تكن غلطة ولكنه القدر، كل شىء بحساب، لم يكن حسين يتوقع ان الموبايل الجديد سيحمل معه الوعد الذي غاب عن ذاكرته، الصدفة معنى لا وجود له في الحياة، كل شىء محسوب ومكتوب، مع الموبايل الجديد هدية، خط به عدد من الدقائق والرسائل المجانية، فكرة، قرأ حسين رسالة متداولة على الفيس بوك «لو انا زعلت حد ياريت يسامحنى وانا مسامح أي حد غلط في حقى» أعجبته وقرر ان تكون رسالته للأقارب والاصدقاء ،بدل الرسالة التقليدية كل سنة وانتوا طيبين ورمضان كريم، والسنة دى الرسائل ببلاش، فكر في أشخاص لم يرسل لهم من فترة رسائل معايدة وتذكر طنط سهام، ياه من زمان لم يتصل بها ولم تأتى على خاطره، بحث عنها في قائمة الاسماء فلم يجدها، تذكر انه غير تليفونه المحمول اكثر من مرة، تسلطت عليه فكره العثور على رقم طنط سهام، اتصل بأخته فورا وسألها: ثريا عندك تليفون طنط سهام، جاءه صوت اخته مندهشا: صباح النور ياحسين، انت مش في الشغل، عايز رقم طنط سهام ليه؟ فرد: هبعت لها رسالة معايدة في رمضان، فقالت ثريا؟ ايه اللى فكرك، كام رمضان عدى وعمرك مفكرت تكلمها، فرد بتعجل: مقصر معاها ومعاكى ومع الناس كلها، معاكى الرقم ولا لأ؟ فأجابت ثريا: هتعمل ايه بالرقم، طنط لاهتشوف رسالتك ولا هترد عليك، فأجاب: ليه؟ علشان زعلانة منى، فأجابت ثريا: لأ، علشان عندها شلل نصفى من 3 سنين، ومبقتش بتتكلم خالص، مع السلامة يا حسين، انا دخلة على لجنة ومش عايزة آخد مخالفة.
صدمته كلمات أخته، رمى بنفسه على أقرب مقعد، معقول طنط سهام مشلولة ولا يعرف، اندفعت الذكريات إلى رأسه وكأنها شلال هادر، تذكرها، بخصلات شعرها الناعم على جبينها وضحكتها المشرقة وكرمها البالغ، كانت تعامله معاملة خاصة، مثل حازم تماما وربما أكثر، كانت صديقة لأمه رحمة الله عليها، لا يفترقان بحكم الجيرة، الشقتان متقابلتان، والحديقة مشتركة بينهما، تذكر حازم، كان شاب وسيم، حنون وكريم مثل أمه، قال له مرة: انت عارف واحنا صغار كنت بغير منك، كنت بحس ان ماما بتحبك أكثر منى، وقلت لها كده مرة، ضحكت وطبطبت على ضهرى وحضنتنى وقالت :ياعبيط، انا بعوضه علشان هو مش من لحمى ودمى، لكن انت حته منى، عارف ياحسين الست دى جميلة قوى والله حتى لومكنتش ماما كنت هحبها برضه، نزلت دمعة من عين حسين وهو يتذكر وفاة حازم المفاجئة، حادث سيارة توفى على أثره هو وزوجته، وترك هيثم وصباح، ياترى هما في سنة كام دلوقتى ؟، حين ذهب ليعزى والدته كانت منهارة، تبكى بحرقة: شوفت ياحسين، شوفت الدنيا بتلعب بيا إزاى، انا أعيش وهو يموت، يارب، يارب قوينى «تذكر وعده لها برعاية اولاد حازم، كيف لم يتذكرهما طوال هذه السنوات؟ سافر بعدها للعمل بدبى وانشغل بعمله عن الجميع واستمر على هذا الحال حتى بعد عودته لمصر.

حين كانت أمه على فراش الموت اوصته بأخوته البنات، وبسهام وقالت: خلى بالك من ثريا وأميرة، ملهمش غيرك أنت اخوهم وأبوهم، وطنطك سهام معندهاش غير حازم وهى بتحبك زيه تمام، وعد أمه أن يرعاهن جميعا.. والآن يريد ان يرسل رسائل مجانية يطلب فيها الصفح والغفران ....

لا يعرف كم مضى من وقت وهو جالس على مقعده لا يتحرك، اندهشت زوجته لوجوده: انت منزلتش الشغل؟ انت عندك مواعيد بره النهارده؟ لم يرد عليها كان مشغول البال، يراجع السنوات التي فاتت من عمره، تضخم فيها رصيده بالبنك وزادت املاكه، فكر في أولاد حازم، هل يكفيهم معاش والدهما الطبيب بوزارة الصحة، ومن أين تنفق طنط أحلام عليهما وعلى مرضها، يا ترى باعت قطعة الأرض التي كانت تملكها على الطريق السريع لتنفق منها .

ندم، هل تكفى هذه الكلمة لتعبر عما كان يشعر به في هذه اللحظات، حتى ثريا واميرة لا يزورهما، كان دائما يجد لنفسه أعذارا، فكلاهما ظروفها طيبة، تعملان في مراكز مرموقة وأزواجهما من الأثرياء واولادهما من النجباء، مرة وحيدة عاتبته ثريا قائلة: مهما كان الأخت عايزة تحس ان اخوها سندها، انت ابونا دلوقتى، ضحك قائلا: انا اللى عايز حد يسندنى ياثريا، انتى بميت راجل .

فكر في ابنته الوحيدة «ياسمين» ماذا لو مات هو وأمها في حادث مثل حازم، من سيربيها؟ علاقتها بعائلته سطحية، عكس عائلة أمها، ماذا ستحكى لها حماته عنه، هل ستظل صورته محفورة في قلبها وعقلها كما تعيش صورة أمه وأبيه معه حتى الآن، هو نفسه لايجلس طويلا مع ياسمين، كيف لم يفكر في ذلك من قبل؟ هل ستتذكره بعد وفاته؟ أمها تشاركها كل لحظة، اما هو فيقوم بدور الممول، أخرجه من أفكاره هزة قوية، كانت زوجته التي قالت بقلق: خير، انت كويس؟

ترك مقعده دون أن يجيب على سؤالها، اتصل بثريا من جديد وقال: ثريا، ممكن اطلب منك طلب، سمع صوتها الحنون يجيب: طبعا يا اخويا، تشجع وقال: ممكن تيجى معايا نزور طنط سهام.

ektebly@hotmail.com