هجوم الكرنك: قراءة للدلالات والنتائج

ضياء رشوان الأحد 14-06-2015 21:33

فى 17 نوفمبر 1997، وقع الهجوم الإرهابى الأكبر فى التاريخ المصرى الحديث على السائحين الأجانب بالبر الغربى لمدينة الأقصر، وبالتحديد بمعبد حتشبسوت، وأدى إلى أكثر من ستين قتيلاً، غالبيتهم الساحقة من هؤلاء السائحين. وقد قام بهذا الهجوم مجموعة صغيرة من الخارجين عن الجماعة الإسلامية، التنظيم الجهادى الأكبر حينئذ فى البلاد، بالتنسيق مع بعض قياداتها فى الخارج، بعد أن أعلنت قيادة الداخل وقف العنف فى 5 يوليو من نفس العام والبدء فيما سمى بعدها المراجعات الفكرية. ومنذ ذلك الهجوم وحتى الهجوم الفاشل الذى جرى فى معبد الكرنك الأسبوع الماضى، لم يشهد الصعيد بكل مناطقه السياحية والحيوية هجمات نوعية كبيرة مثل هذين الهجومين، فقط كانت هناك فى الشهور الأخيرة بعض الهجمات بالعبوات الناسفة على بعض المواقع الحيوية، مثل محطات وأبراج الكهرباء والسكك الحديدية، بالإضافة لاستهداف بعض أفراد الشرطة بالاغتيال، وذلك بنفس التنظيم والطرق التى تمت بها هذه الهجمات فى مختلف مناطق الجمهورية.

والحقيقة أن هجوم الكرنك الإرهابى الفاشل يثير عديداً من القضايا والملاحظات التى يجب التطرق إليها بصورة تفصيلية. وأولى الملاحظات هى أن ما نشر عن تفاصيل الهجوم وأفراده الثلاثة المباشرين وتسليحهم يوضح أننا كنا بإزاء تخطيط لمذبحة كبيرة فى ساحة معبد الكرنك. فالأسلحة التى نقلت وسائل الإعلام عن الأجهزة الأمنية أنها كانت بحوزة المهاجمين الثلاثة تشمل: 9 قنابل يدوية دفاعية وهجومية شديدة الانفجار، وثلاث بنادق آلية ومعها على الأقل 9 خزائن مملوءة بالطلقات النارية، وحزامين ناسفين ارتدهما اثنان من المهاجمين، وعبوات ناسفة كانت مجهزة للتفجير، قامت قوات الحماية المدنية بإبطال مفعولها بعد إيقاف الهجوم. والأرجح أن خطة الهجوم وفقاً لهذا التسليح كانت أن يتم استغلال وصول مئات السائحين إلى المعبد فى هذا التوقيت الصباحى ونزولهم من الحافلات المقلة لهم للبدء فى إطلاق نيران الأسلحة الآلية عليهم، وهنا نتحدث عن حوالى 300 طلقة نارية لإيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى، ثم بعدها أو معها يتم استخدام القنابل اليدوية شديدة الانفجار لقتل عشرات آخرين، وإذا أمكن للمهاجمين النجاة والانسحاب يتم تفجير العبوات الناسفة المتروكة فى المكان لقتل عشرات آخرين، أما إذا حوصر المهاجمون بعد إنهاء المراحل السابقة فيقومون بتفجير أنفسهم بالأحزمة الناسفة لإسقاط عشرات آخرين من القتلى. وهنا تظهر ثانى الملاحظات، وهى أن إجهاض الهجوم الإرهابى بقدر ما يعود ليقظة المواطنين وتأهب رجال الشرطة فى موقع المعبد، بقدر أيضاً ما يعود على الأرجح لعدم امتلاك المهاجمين خبرة سابقة أو تدريبا كافيا لتنفيذ الخطة كما سبقت الإشارة إليها. فالتسليح العملى والتخطيط النظرى للهجوم كانا مثاليين لتنفيذ الهدف الرئيسى للهجوم، لكن بدا واضحاً أن المهاجمين الثلاثة لم يتحسبوا لمفاجأة اكتشافهم المبكر ولا للتعامل معهم فورياً من جانب قوات الأمن ولم يكونوا مدربين على هذا، فخرجوا عن التخطيط المرسوم والمراحل المتتالية للهجوم بحسبه واضطروا بعد التعامل الأمنى الحاسم معهم إلى التعجيل بالخطوة الأخيرة، وهى تفجير الاثنين الباقيين منهما لنفسيهما بعد سقوط الثالث مصاباً بطلق نارى فى رأسه فى بداية التعامل الأمنى.

وهنا تظهر الملاحظة الثالثة المهمة، وهى استخدام أسلوب العمليات الانتحارية للمرة الأولى فى تاريخ العنف والإرهاب بمناطق الصعيد منذ سبعينيات القرن الماضى، فالمرة الأولى والوحيدة التى حدث فيها هذا لم تكن عملية تفجير انتحارى بل كانت قتلاً متبادلاً، قام به أفراد المجموعة التى نفذت عملية معبد حتشبسوت بعد حصارهم فى إحدى مغارات الجبل الغربى.

وتشير تلك الملاحظات المباشرة المتعلقة بالهجوم الإرهابى وما نشر بعده حول هويات المهاجمين الثلاثة ومناطق انتمائهم الجغرافية وما نشره تنظيم الدولة فى سيناء عن انتمائهم إلى ما سماه «ولاية الصعيد»- إلى نتائج ودلالات رئيسية مهمة له. أولى هذه الدلالات هى أن المرجح وفقاً لتفاصيل الهجوم وما نشر حوله أن يكون الجناة بالفعل تابعين لجماعة أنصار بيت المقدس أو تنظيم الدولة فى سيناء، حيث يبين التسليح المتقدم هذا، ومعه استخدام التفجير الانتحارى الذى يعد جزءاً من أفكار التنظيم العقيدية وعملياته الإرهابية فى سيناء طوال الوقت وفى وادى النيل قبل توقفها، كما جرى فى تفجير مديرية أمن سيناء ومحاولة اغتيال وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم، كما يبينه تباين مناطق الانتماء المحتمل للمهاجمين الثلاثة من شمال الصعيد وشمال البلاد بعيداً عن منطقة الهجوم التى على الأرجح يصعب وصول التنظيم إليها. ولا يعنى هذا عدم وجود عناصر مساعدة بشرية للمهاجمين فى منطقة الأقصر، ولكن على الأرجح اقتصر دورهم على تقديم تسهيلات التنقل والإعاشة والرصد. ولا شك أن هذا الهجوم يشير بوضوح إلى محاولات أنصار بيت المقدس أو تنظيم الدولة العودة من جديد لمد تواجده إلى مناطق وادى النيل واستئناف عملياته فيها بعد أن توقفت تماماً بعد الإيقاع بالمجموعة الرئيسية له فى عرب شركس فى مارس 2014.

كذلك فإن عدم التورط المباشر، بحسب ما هو منشور حتى الآن، لعناصر بشرية من مناطق جنوب الصعيد فى الهجوم سوى ما يمكن أن يظهر من وجود مساعدات لوجستية، يشير إلى عدم تورط واسع للأعضاء السابقين أو الحاليين للجماعة الإسلامية التى كان التنظيم الجهادى الوحيد المهيمن على هذه المناطق فى هذا الهجوم بما يتضمنه من انتماء منفذيه لأنصار بيت المقدس أو تنظيم الدولة. كما يشير إلى نفس المعنى ما وضح من عدم امتلاك منفذى الهجوم خبرة سابقة أو تدريبا كافيا لتنفيذ خطته المدمرة، حيث إن انخراط بعض عناصر الجماعة الإسلامية من المنطقة بصورة مباشرة فى التخطيط له وتنفيذه بما لهم من خبرة قتالية سابقة فى مصر وخارجها، كان سيوفر لمنفذيه ما افتقدوه منها أثناء تنفيذهم لجريمتهم. ويعنى هذا، إذا صح، أن أنصار بيت المقدس أو تنظيم الدولة فى محاولته للعودة لوادى النيل، خاصة الصعيد، بمجموعات تابعة له يفتقد حتى اللحظة القدرة على تدريبهم ومنحهم القدرات القتالية لتنفيذ مثل هذه العمليات النوعية الكبرى، ويعتمد أكثر على التدريب النظرى عبر شبكة الإنترنت أو بعض العناصر المتسربة قليلة الخبرة فى هذا المجال. ومع هذا فإن وصول تلك الأسلحة والقنابل والذخائر بحجمها ونوعيتها إلى المهاجمين يطرح تساؤلات وتخوفات حقيقية حول الطرق التى وصلت بها إليهم والخطوط البشرية التى ساهمت فى هذا، سواء بتوصيلها لهم كما هى أو بتوصيل قيمتها المالية وتكفلهم بالحصول عليها من الأقصر والمناطق المجاورة لها، ففى الحالتين هناك خطوط إمداد واتصال يجب التوصل إليها.

diaarashwan@gmail.com