«لدى وصولك إلى العاصمة السنغالية دكار يسترعى انتباهك طراز جديد من سيارات الأجرة المستخدمة هناك من صنع إيرانى يتم تجميعها فى مصنع خوردو فى السنغال».
هكذا وصفت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية النفوذ الإيرانى الذى يتغلغل بشدة فى القارة السمراء، خاصة فى غربها عبر السنغال التى يخصها الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد «عراب تعزيز العلاقات الإيرانية الأفريقية» بزيارات عدة كان آخرها الشهر الماضى، معتبراً أنها «بوابة إيران إلى أفريقيا» حيث يتابع مصنع أقامته إيران لإنتاج آلاف من سيارات الأجرة.
وخلال الـ18 شهراً الماضية قام نجاد بعدة جولات فى القارة السمراء أخرها الأسبوع قبل الماضى فى نيجيريا، فى إطار سياسة خارجية جديدة تضع أفريقيا فى سلم أولويات طهران. وقبل نيجيريا كان نجاد فى مالى حيث تعتزم إيران بناء سد لتوليد طاقة كهربائية من مساقط المياه، وكان قد زار أوغندا إحدى دول حوض النيل، ملوحاً بعروض للنفط وطاقة التكرير، وذلك يمثل بحسب الخبراء منافسة للدور الإسرائيلى المتزايد فى المنطقة. والنفوذ الإيرانى السياسى والاقتصادى والعسكرى فى القارة السمراء عبر «دبلوماسية الصفقات» استتبعه تزايد فى المد الشيعى فى أفريقيا حيث بلغ أعداد المتشيعين إلى 7 ملايين فرد بعد أن كان وجودهم محدوداً للغاية. ونشر مجمع «أهل البيت» والذى يتبع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية مباشرة، ويرصد أعداد الشيعة فى العالم، قائمة بأعداد الشيعة فى الدول الأفريقية.
وتزايد النفوذ الإيرانى الشيعى فى أفريقيا سبب حرجاً لإسرائيل وعلاقاتها السياسية مع الدول الأفريقية، وأبرز مثال على ذلك إغلاق موريتانيا السفارة الإسرائيلية فى نواكشوط بعد زيارة وزير الخارجية الإيرانى منوشهر متقى لها، وإعلان طهران أنها ستقوم باستكمال بناء المستشفى الذى تشيده إسرائيل فى نواكشوط.
وبناء على ذلك، صعدت طهران من «الحرب الباردة» بينهما على القارة السمراء، حيث توفد الدولتان رجال السياسة والأعمال لمختلف أرجاء القارة لإقامة علاقات جديدة أو إنعاش علاقات قائمة، وأبرمتا مجموعة من الصفقات تتراوح من السلاح والزراعة إلى تعهدات ببناء سدود وصفقات نفطية وأخرى تتعلق بالحماية.
وأبرز تلك الجولات التى قام بها وزير الخارجية الإسرائيلى أفيجدور ليبرمان ومجموعة من رجال الأعمال وشملت 5 دول أفريقية فى سبتمبر الماضى متطلعين لحشد التأييد الدبلوماسى ولصفقات الأعمال.
ويمكن رصد ملامح التنافس الإيرانى الإسرائيلى على القارة السمراء من خلال الأرقام والصفقات، حيث وصلت قيمة إجمالى صادرات إسرائيل لأفريقيا نحو 1.06 مليار دولار فى 2009 بانخفاض بنسبة 38% عن 2008 عندما بلغ إجمالى الصادرات 1.47 مليار دولار، فيما بلغت واردات إسرائيل من أفريقيا 1.5 مليار دولار عام 2009.
ودشنت إسرائيل برنامجاً زراعياً خاصاً فى أوغندا وتعمل بقوة فى غينيا الاستوائية المصدرة للنفط حيث تقدم الخدمات الأمنية للحكومة وتبنى مجمع مستشفى بتكلفة 100 مليون دولار.
وفى المقابل تنفذ طهران مشروعات للبنية الأساسية فى السنغال تشمل شق طرق ومد سكك حديدية وإنشاء مطارات وموانئ. ووقعت زيمبابوى مع طهران اتفاقيات تعاون فى مجالات الطاقة والعلوم والتكنولوجيا والزراعة، وبدأتا مشروعاً مشتركاً لتصنيع الجرارات.
وارتفعت إيرادات كينيا، وهى من دول حوض النيل أيضاً، من الشاى ثانى أكبر سلعة مدرة للعملة الصعبة فى البلاد فى أعقاب اتفاق تسويق مع إيران. وقبل شهر أعلنت إيران أنها ستمد كينيا بـ4 ملايين طن مترى من النفط الخام سنويا. ووقع البلدان اتفاقات بشأن قروض وموارد مياه وطيران مباشر بين البلدين.
ومن التجارة إلى السلاح، ارتفعت مبيعات السلاح الإيرانى للسودان رغم حظر تصدير السلاح، وصلت إلى 12 مليون دولار. وفى يناير 2009 هاجمت طائرات حربية إسرائيلية قافلة شاحنات فى السودان لمنع وصول ما تشتبه فى أنه شحنة سلاح من إيران لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) فى قطاع غزة.
وعن سيناريوهات الحرب الباردة بين طهران وتل أبيب على «الكعكة السمراء»، ترى الإيكونوميست أن المساعدات الإيرانية لأفريقيا لاتزال متواضعة قياساً إلى المساعدات الأمريكية والأوروبية، بالإضافة إلى الصين مع العلم أنه من غير المرجح أن تضحى السنغال بعلاقاتها مع الغرب عن طريق تعزيز علاقاتها مع إيران التى لم تقترن أقوالها بالأفعال فى بعض الحالات، فالرحلات الجوية المباشرة بين كينيا وطهران لم تبدأ بعد، أما مصنع خوردو لإنتاج سيارات الأجرة فهو يعمل بنصف طاقته الموعودة وربما كان من الصعب على إيران الشيعية ممارسة نفوذ قوى داخل أفريقيا ذات الغالبية السنية.
وأكدت المجلة البريطانية أن العديد من الدول الأفريقية، وبخاصة دول حوض النيل مازالت بحاجة إلى الخبرة الإسرائيلية فى مشاريع الرى، والتكنولوجيا العسكرية والاستخباراتية مثل إثيوبيا التى تحارب متمردين إسلاميين، وأصبحت أكبر مشتر للمعدات العسكرية الإسرائيلية وأوثق حلفاء إسرائيل فى أفريقيا وكذلك كينيا التى تشعر بالقلق من المقاتلين الإسلاميين فى الصومال المجاورة، أما نيجيريا فقد اشترت أسلحة إسرائيلية بمبلغ 500 مليون دولار، خاصة الطائرات دون طيار خلال السنوات الماضية.