بانتهاء الحرب العربية الإسرائيلية في 11 يونيو 1967، وبعد التزام جميع الأطراف بوقف إطلاق النار وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 234 الصادر في 7 يونيو 1967 تدخل منطقة الشرق الأوسط مرحلة جديدة، أفرزتها نتائج هذه الحرب، سواء على المستوى العربى أو المستوى الإسرائيلى أو علاقة الولايات المتحدة بطرفى النزاع.
فعلى المستوى العربى:
لم يعد أمام حكومات دول المواجهة، خاصة مصر إلا إعادة تقييم الأوضاع التي فرضتها التوازنات العسكرية الجديدة والاعتراف بالأخطاء الاستراتيجية التي أدت إلى حدوث النكسة، وهو ما أقر به عبدالناصر في أحد خطاباته، بعد العدوان مباشرة بقوله: (بعد نكسة 5 يونيو ونتائجها الخطيرة المحزنة لأمتنا العربية، فقدنا الجزء الأكبر من قواتنا العسكرية).
وبدا لأول مرة القبول والرضا بأشياء لم يكن يقبلها العرب قبل ذلك، خاصة بعد اهتزاز هيبة عبدالناصر وخيبة أمل الجماهير العربية فيما كان يروج له حول القومية العربية والشعارات المتعلقة بها.
كما أسفرت نكسة 67 عن أنه لم تعُد القضية الفلسطينية وحدها هي المحور الرئيسى للصراع العربى الإسرائيلى وإنما برزت معها قضية الأراضى العربية المحتلة، مثل سيناء والجولان والضفة الغربية والاعتراف بفكرة قبول الوجود الإسرائيلى في شكل دولة مستقلة وتراجع شعار إزالة الكيان الإسرائيلى وظهر مكانه شعار إزالة العدوان من الأراضى المحتلة.
أما على المستوى الإسرائيلى:
حققت إسرائيل مكاسب سياسية وعسكرية واقتصادية خطيرة، تمثلت هذه المكاسب في استيلاء إسرائيل على المزيد من الأراضى العربية تصل إلى ثلاثة أضعاف مساحتها أخذت تقيم فيها المستوطنات التي يمكن أن تستوعب المهاجرين الجدد، وكان إجمالى المساحات التي ضمتها إسرائيل يفوق مساحة الأراضى المحتلة في 1948، والتى بلغت مساحتها حوالى 85 ألف كيلو متر مربع تقريباً، مما ترتب عليه زيادة المسافة بين قلب إسرائيل وبين مناطق الحدود لتصل إلى 350 كم في بعض أجزائها «القنطرة شرق/ تل أبيب» طول الحدود والمناطق التي تحتلها ليصل إلى ألفى كيلو متر مربع».
أما بالنسبة للولايات المتحدة:
يمكن بلورة الموقف الأمريكى غير المكترث بردود الأفعال العربية من خلال مقابلة الرئيس الأمريكى جونسون بالرئيس السوفيتى كوسيجين في قمة غلاسبور في 19 يونيو 1967 والتى اعتبر جونسون فيها أن مسؤولية الحرب تقع على عاتق إغلاق خليج العقبة من قبل عبدالناصر وأن الولايات المتحـدة لن تمارس ضغوطاً على إسرائيل للانسحاب إلا بتسوية شاملة، وينبغى أن تقوم هذه التسوية على خمسة مبادئ هي: الاعتراف بحق جميع الأمم في الوجود- تطبيق حل عادل حيال اللاجئين- حرية الملاحة عبر الممرات الدولية- تحديد السباق إلى التسليح- الاستقلال السياسى مع صيانة الأراضى الوطنية بالنسبة لجميع الأطراف.
من هذا المنطلق استمرت في تسليح إسرائيل بأحدث الأسلحة والمعدات وخططت أمريكا وإسرائيل، ونجحتا في تحقيق أهدافهما وتمكنت إسرائيل من أن تكون القوة الإقليمية العظمى، وأدركت الولايات المتحدة أنه لن يصون مصالحها إلا الإسرائيليون، أما العرب فقد قذفت بهم خلافاتهم واستراتيجيتهم غير الواضحة إلى مستنقع الهزيمة، ورغم انتصار أكتوبر العظيم، إلا أن المنطقة العربية لا تزال إلى يومنا هذا غارقة في مستنقع الخلافات والفتن.. فهل ننتظر نكسة جديدة نقرأ بعدها الفاتحة على أمتنا العربية؟!