كنت أنا وزوجتى الدكتورة سوزان من المدعوين لعيد ميلاد «المصرى اليوم» الحادى عشر.. هذا الجورنال الذي فرض نفسه على باقى الصحف بعد بضع سنوات من ميلاده، وذلك لسببين.. أولهما انحيازه للشعب وآلامه وليس للسلطة، وثانيهما أن شعاره: دعوا الأزهار تتفتح.. دعوا الأفكار تتصارع، فهو ينشر لأقصى اليمين كما ينشر لأقصى اليسار، فأصبح مثل: بوفيه الأفراح، الكل مدعو، ولكل مدعو ما يشتهى!
استقبلنا المفكر والمهندس صلاح دياب صاحب الأربعين عاماً وبضعة أسابيع «لا أعرف كم أسبوعاً!»، رشيقاً خفيفاً وكأن الرشاقة تتناسب تناسباً طردياً مع عدد الأسابيع!
رحب بنا بكلمات تحس معها أنه وإن لم تربطك به أواصر الدم، فقد ربطتك به أنبل صلات الود والإخاء.
ها هو الربان الماهر الذي قاد بارجة الدستور وسط العواصف السياسية في أحرج ساعة من ساعات الوطن المصيرية حتى وصل بنا وبها إلى بر الأمان!
جاءنى المايسترو عمرو موسى عاتباً علىَّ استقالتى من لجنة الخمسين، قلت له: كنت في لجنة المقومات الأساسية، وبالتصويت الحر الديمقراطى بعد حوار 3 ساعات وصلنا إلى أن مصر دولة مدنية، وكان التصويت عشرة في صالح الدولة المدنية، وأربعة منهم المستشار محمد عبدالسلام ضد الدولة المدنية، وبالرغم من أن الدولة المدنية معناها أنها دولة ليست عسكرية أو دينية، ولكن بكل أسف في لجنة الصياغة مسخوا كلمة مدنية لأن المستشار محمد عبدالسلام في هذه اللجنة، والمفروض أن هذه اللجنة تقوم بصياغة قانونية لما وصلت إليه لجنة المقومات الأساسية، فلم يكن أمامى إلا الاستقالة احتجاجاً على ذلك، ثم ابتسمت وقلت لربان سفينة الدستور: لا تزعل منى فأنت تعرف كم أحبك!
ها هي فراشة طائرة اسمها فاطمة ناعوت! هل تقدم الفراشات إلى المحاكم؟ لو كان حفيد محمد نور موجوداً لحفظ التحقيق مع فاطمة ناعوت، كما حفظه جده مع الدكتور طه حسين بخصوص كتابه: في الشعر الجاهلى.
ها هو الجبار أحمد الجمال بسيجاره الهافانا.. المعرفة قوة، وهو موسوعة معرفية، امتلأ عقله بكل شىء إلا من غدة الخوف التي تذل أعناق الرجال.
ها هو الدكتور المخزنجى.. الشخصية الجميلة الرقيقة الحالمة.. عاشق الطبيعة بغرائب مخلوقاتها، طلبت منه أن يضعها في كتاب، فوعدنى بذلك.
وظهر «أبوالغار».. الصديق الحبيب، والذى طالما سهرنا سوياً كل أربعاء، حتى أطلقنا عليها: حديث الأربعاء أسوة بالدكتور طه حسين، قلت له: خِفّ شوية.. أصبحت مقالاتك عنيفة! قال لأنى أحب الريس فلابد من مصارحته!
وعلى البوفيه حيّانى من أعرفه جيداً وقال: أنا أنور الهوارى، قلت طبعاً.. مقالاتك شديدة جداً، قال: هذا ضرورى وإلا عدنا لـ1954!! إنه مشرط جراح أرجو أن يشفى بالرغم من إسالة الدماء! إن أعظم كلمة في قاموس أي لغة هي كلمة: نقد، وبدونها لا تتقدم الأمم، على شرط أن تكون أعمدة هذه الكلمة ثلاثة: 1- الإيجابيات. 2- السلبيات. 3- طرق العلاج.
كان بجانبى.. سألته: هل أنت المسلمانى؟ قال نعم، شددت على يده، وقلت يا صاحب القلم الرصين، ويا صاحب الفكر المستنير.. لغة الحياء فقال: شكراً.
أخذت بالحضن دكتور ناجح إبراهيم.. الحب يسير على قدمين! صحيح ما قاله فولتير: رجل الدين الجاهل يثير احتقارنا، ورجل الدين المتعصب يثير اشمئزازنا، أما رجل الدين المثقف المحب الواعى «مثل د. ناجح إبراهيم» فهو الجدير بحبنا واحترامنا، أين الاستنساخ حتى يكون كل رجال الدين مثله!
ها هي سحر الجعارة بشجاعة المئات من الرجال، وجمالها ليس فقط ما نراه بل الأهم منه.. هو ما نحسه!
زارنى على مائدة الطعام دكتور طارق عباس الذي يرى ما لا يراه المبصرون، وكأنه نوسترادموس الذي يقرأ المستقبل بناءً على الحاضر.
أين الدكتور سعدالدين إبراهيم؟! هذا العاِلم الفذ الجليل الذي أحبه، وأين الدكتور خالد منتصر.. محطة أنشاص الذرية للتنوير.
انتهى الحفل خرجنا، ودّعنا صلاح دياب، تمنينا له 111 سنة لـ«المصرى اليوم»، ونحن نعجب كيف استطاع أن يجمع هذه الكتيبة المقاتلة لكل فساد من أجل الوطن.