تحيا مصر الثورة

زياد العليمي الخميس 11-06-2015 21:43

(1)

فجأة انفجر صديقى الجالس بجانبى يطالع صفحته الشخصية بأحد مواقع التواصل الاجتماعى ضاحكًا ومرددًا: «أنا بجد مابقيتش مصدق الناس دى إزاى كده!». وعندما سألته عما يقصد، قال: لدىّ أكثر من زميل دراسة، عندما جاء وقت اختيار نظام التعليم الثانوى الذى سنلتحق به، منا من اختار الثانوية العامة المصرية، ومنا من اختار دبلومة المدارس الأمريكية أو البريطانية ـ سواء فى نفس المدرسة، أو غيرها فى مصر أو بالخارج ـ هؤلاء الزملاء لم يكن لديهم استعداد لبذل مجهود كبير فى التحصيل، وفى الوقت ذاته يريدون الالتحاق بكليات القمة، لمجرد أن وضعهم الاقتصادى والاجتماعى لا يستقيم مع دخول الكليات ذات المجموع الأقل!

وجد هؤلاء الزملاء حلهم السحرى فى السفر للولايات المتحدة الأمريكية، والالتحاق بالثانوية العسكرية الأمريكية (ولمن لا يعرف تلك المدارس، فهى تركز على الانضباط العسكرى أولا، وبالتالى يسهل على الطالب فيها جمع درجات من خلال الحفاظ على مظهره الخارجى، وتلميع سيفه الذى يعتبر جزءا من زيه العسكرى، أو تنظيف دورات مياه المدرسة). وهناك تمكنوا من الحصول على مجموع كبير ثم عادوا إلى مصر، لإتمام دراستهم الجامعية معنا فى كليات القمة. وبمجرد انتهاء سنوات الدراسة، دفع كل منهم أسرته للبحث عن «واسطة» تمكنه من عدم تأدية الخدمة العسكرية، ولجأ بعضهم للخروج من البلاد حتى أتموا الثلاثين عاما!

لم أتخيل أن يصل بنا الحال إلى أن أرى من قضوا سنوات شبابهم يلمعون أسلحة الجيش الأمريكى، وينظفون مراحيضه، وتهربوا من الخدمة فى جيش بلادهم، فى طليعة من يتهمون أشرف من أنجبت بلادنا! ممن اعتادوا الخروج دفاعا عن الحرية والعدل دون أن يعرفوا هل سيكتب لهم عودة أم لا، وقت أن صمت هؤلاء! لم أستطع أن أتخيل أن هؤلاء من يرفعون شعار تحيا مصر ويتغنون بـ«تسلم الأيادى» فى مواجهة المعارضين!!

(2)

اضطر لمغادرة البلاد لسنوات ليحصل على فرصة علاج حقيقية لابنه، وسافرت فى مهمة عمل، فتقابلنا فى الخارج، وتبادلنا الحديث عن أحوال البلاد، قال لى: «أكثر ما يضايقنى ـ بجانب اضطرارى لأكون هنا ـ هو نوعية المتعاركين الذين نراهم هنا؛ فأجد من فروا من البلاد مستميتين فى البحث عن أى فرصة لحمل جنسية بلاد أخرى يهتفون تحيا مصر، فى مواجهة من ضيعوا الثورة منذ استفتاء مارس، وخذلوا شهداءها ومصابيها، وعندما تولوا السلطة تسببوا فى وجود المزيد من الشهداء والمصابين، وهم الآن يهتفون ثوار.. أحرار.. هنكمل المشوار؛ بالتأكيد يتحدث الطرفان عن مصر أخرى وثورة أخرى»!

(3)

الحقيقة أن 90 مليون مواطن مصرى يقفون بين تيارين، يرفع كل منهما شعارا أفقده مضمونه! ولا ينشغل كل منهما سوى بالقفز إلى السلطة ولو على حساب دماء الملايين! لم يتورع أى منهما ـ مع اختلاف الفرصة المتاحة ودرجة الإجرام ـ عن قتل المصريين للحفاظ على سلطانة. بينما يقف بين صفوف هذا الشعب من حلموا سنوات طويلة بوطن عادل وحر للجميع، ودفعوا ثمن ذلك فى سجون، واضطهاد، وقطع أرزاق واتهامات تطول شرفهم الوطنى ـ وهو أغلى ما يملكون ـ وهم من اقتربوا يوما من تحقيق حلمهم، فتحالف ضدهم غريما اليوم/ حليفا الأمس. بينما يؤمن المخلصون تماما ويعلمون أن المستقبل لهذا الشعب الذى يقفون وسط صفوفه، لا تعنيهم معركة السلطة؛ لكنهم نذروا حياتهم كى تحيا مصر فعلا، لا شعارا، وتعهدوا بأن يكملوا ثورتها لتحقيق هدف أعلنوه منذ خروجهم الأول للجميع عيش.. حرية.. كرامة إنسانية. ثلاث كلمات بسيطة، بقدر تمسكنا بها، ستحيا مصر الثورة، وسوف تنتصر!