5 يونيو 1967

حلمي النمنم الثلاثاء 09-06-2015 21:44

مرت ذكرى الخامس من يونيو- والحمد لله- بلا مناحة كل سنة فى بعض الصحف على ما حدث، فقد بات لدينا الكثير من الأحداث اليومية والوقائع الجارية ما يشغلنا عن تلك الكارثة التى حلت بنا، أقصد يشغل صحافتنا وإعلامنا وبعض القوى السياسية، وكاد يختفى الاستقطاب الحاد الذى شغلنا لعقود حول التجربة الناصرية، بما لها وما عليها.

والمفترض أنه بعد عامين يكتمل نصف قرن على تلك الهزيمة البشعة التى تعرضت لها مصر والدول العربية، خاصة سوريا والأردن وبالتأكيد فلسطين، وما زلنا إلى اليوم فى توابع تلك الهزيمة، حيث احتلت إسرائيل ما تبقى من فلسطين، فضلاً عن سيناء والجولان، وتم تحرير سيناء فقط، وانتعش بعدها مباشرة تيار الإسلام السياسى، وراح يدمر، ويكمل ما بدأته إسرائيل، والواقع أن هذا التيار كان رديفا دائما وملازما للمشروع الصهيونى، أخذ منه الكثير، وأمده بالكثير أيضًا، وتلك قضية أخرى تستحق حديثًا خاصًا.

والآن فإن هزيمة 1967، فى ذمة التاريخ، ومعظم شهودها من القيادات رحلوا عن عالمنا، وكتب حولها الكثير والكثير، سواء باللغة العربية أو العبرية والإنجليزية والروسية والفرنسية وغيرها من اللغات، وأتمنى أن تعد جمهورية مصر سجلاً بهذه الحرب التى فرضت علينا، وتم اقتيادنا إليها بقرار سياسى خاطئ، اتخذه الرئيس جمال عبدالناصر فى مايو 1967، ومن أسف أننا حولنا الهزيمة إلى مجرد عراك بين الرئيس عبدالناصر والمشير عامر، رغم أن ما جرى أكبر من ذلك بكثير وأفدح من ذلك العراك. هناك تساؤلات ومعلومات تترى إلينا من مصادر أجنبية، ولم يتم التعليق عليها- هنا- ولا الإجابة عنها، مثل ما أورده المؤرخ الإسرائيلى «آفى شلايم» فى أحد كتبه، عن أن المشير عامر أطلق فى نهاية مايو 1967 طلعتين جويتين، حلقت فيهما المقاتلات المصرية الثقيلة فوق «مفاعل ديمونة»، الأمر الذى جعل القيادة الإسرائيلية تتصور أن مصر قررت ضرب مفاعلها النووى، فعجلت بضربة الخامس من يونيو وتكسيح سلاح الطيران المصرى.

«آفى شلايم» هو واحد ممن يطلق عليهم فى إسرائيل «المؤرخون الجدد»، وما جاء فى كتابه استند فيه إلى سجلات جيش الدفاع الإسرائيلى ومحاضر مجلس الوزراء، فضلاً عن شهادة بعض القادة الإسرائيليين فى حرب 1967.

ما رواه شلايم ترجم إلى اللغة العربية، وصدر عن مؤسسة روزاليوسف فى عهد الأستاذ محمد عبدالمنعم، وهو رجل ذو خلفية عسكرية وسياسية لا يستهان بها، وإلى الآن لم يقترب أحد من هذا الموضوع، هل فعلاً تمت الطلعات الجوية المصرية فوق ديمونة، وهل تم ذلك بعلم أو بتوجيه من الرئيس عبدالناصر أم اقتصر الأمر على المشير عامر ومعاونيه من كبار القادة؟! وهل كان لدى مصر تخطيط- فعلاً- أو تفكير فى ضرب المفاعل الإسرائيلى، أم كانت طلعات للتهويش فقط؟!

ما زال على قيد الحياة السيد سامى شرف، سكرتير الرئيس عبدالناصر للمعلومات، وهو يتمتع بذاكرة حديدية، وفى بريطانيا يعيش وزير الحربية- آنذاك- شمس بدران، أيضًا يوجد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وفى يونيو 67 كان من قيادات الصف الثانى بسلاح الطيران، ولكن مواقعه التى شغلها بعد ذلك تسمح له أن يعرف، وأن يكون اطلع على التفاصيل والأسرار، وفوق ذلك كله لدينا سجلات القيادة العامة للقوات المسلحة، وسجلات سلاح الطيران، فضلاً عن أرشيف مكتب الرئيس عبدالناصر، المحفوظ فى قصر عابدين.

هذه الواقعة هى نموذج فقط لعشرات الوقائع والمعلومات الحائرة التى ترد إلينا من مصادر أجنبية عنا- نحن- وبات من الضرورى أن نسمع الرواية المصرية لكل ما جرى، ليس بهدف جلد الذات، فقد جلدنا أنفسنا عشرات المرات، وليس بهدف إدانة عبد الناصر أو تبرئته ولا إدانة المشير عامر أو إثبات أنه كان ضحية قرارات الرئيس عبد الناصر، نحن مررنا بهزيمة ثقيلة، هى من أبشع الهزائم فى تاريخنا كله، ولا يمكن الدفاع عنها ولا تبريرها، كما لا يمكن تبرئة لا الرئيس ولا المشير من المسؤولية شبه الكاملة عن وقوعها.

ما يعنينا أنه لا يليق أن نبقى على جهل وعمًى تام بأحداث وقعت لنا، ودماء أريقت وكرامة استبيحت وعزة وطنية تم المساس بها، صحيح أن هذا الشعب العظيم تحمل الهزيمة، وأمكن له تجاوزها بثبات وبسرعة، وإن كان بثمن فادح، ولذا فمن حقنا أن نعرف، وأظن أن اقتراب نصف قرن على هذه الكارثة يفرض علينا أن نعرف الخفايا، لأن ما جرى يومها ليس منبتًا عن واقع العالم والقوى الكبرى التى تحكم وتتحكم إلى اليوم.