أكد ممتاز السعيد، وزير المالية الأسبق، عضو مجلس إدارة بنك الاستثمار القومى، أن البلاد تحتاج إلى ما وصفه بالخطوات الجريئة والسريعة، لإصلاح المسار الاقتصادى، برغم إشارته إلى الجهود التى تبذلها الحكومة الحالية فى هذا الصدد.
وقال السعيد، فى أول حوار صحفى منذ خروجه من الحكومة، لـ«المصرى اليوم»، إنه لابد من ترشيد فاتورة الأجور بالموازنة العامة للدولة بشكل حاسم، ما يسهم فى خفض العجز، والدين العام، مشددا على ضرورة أن تؤول جميع الإيرادات إلى الخزانة العامة، بما فيها حصيلة بيع الأراضى، وكذا إلغاء جميع الصناديق والحسابات الخاصة وضمها إلى الموازنة، وإعادة النظر فى تطبيقات الحد الأقصى للأجور، والعمل على إعادة الأموال المهربة للخارج.. وإلى نص الحوار:
■ ما تقييمك للأوضاع الاقتصادية الراهنة وسبل إصلاحها؟
- البلد يحتاج إلى خطوات جريئة وسريعة، من جانب الحكومة، لإصلاح المسار الاقتصادى، وبرغم أن هناك جهودا مبذولة حاليا فى هذا الإطار، إلا أننا نحتاج بشكل حاسم إلى ترشيد فاتورة الأجور بالموازنة العامة للدولة، ما يسهم فى تقليل العجز، وخفض الدين العام، خاصة أننا كدولة لسنا أقل من اليونان، التى استطاعت تطبيق برنامج تقشفى لإصلاح اقتصادها، وإعادته للتوازن.
نحن نحتاج إلى خفض فاتورة الأجور بواقع 25% لفئات معينة، وليس على الجميع، خاصة مع ارتفاع هذا البند إلى نحو 230 مليار جنيه، يتم إنفاقها على نحو 6.5 مليون موظف بالجهاز الإدارى للدولة، دون قيمة مضافة لنسبة كبيرة منهم.
ويجب أن تؤول حصيلة بيع الأراضى السياحية إلى خزانة الدولة، بحيث تتولى الأخيرة الإنفاق على المرافق اللازمة لها، ومن غير المقبول أن تقترض الدولة من خلال أدوات الدين الحكومية «أذون وسندات خزانة»، بينما تترك حصيلة بيع الأراضى بعيدا عن الخزانة، حيث تذهب إلى هيئة المجتمعات العمرانية وهيئة التنمية السياحية، ومن المفترض أن تدخل الموازنة مباشرة وهى التى تتولى الإنفاق بدورها.
■ وكيف ترى أوضاع الموازنة العامة؟
- لدينا نصف موازنة وليس موازنة كاملة، لاسيما أن هناك إيرادات مالية كبيرة «أصول وثروات طبيعية وصناديق وحسابات خاصة وأموال مهربة بالخارج وأراض»، لكنها تصب خارج الخزانة، وعجز الموازنة لايزال كبيرا للغاية، ولا بد من خفضه، ومواجهة فاتورة الأجور والدعم والاعتماد على الموارد الحقيقية، ومن غير المعقول ترك هذه الموارد تضيع واللجوء للاقتراض.
وهناك تحديات تواجه الموازنة فى ظل انخفاض الإيرادات، برغم مساعى وزير المالية الحالى هانى قدرى دميان للإصلاح المالى والاقتصادى، لكن من الضرورى أن يعود العمل والإنتاج إلى طبيعته، وكذا السياحة، وموارد النقد الأجنبى، ما يسهم فى زيادة الاحتياطى النقدى الأجنبى لدى البنك المركزى، وزيادة معدلات النمو الاقتصادى، وخفض عجز الموازنة العامة.
وأرى ضرورة إلغاء جميع الصناديق والحسابات الخاصة بشكل تام ومطلق، على أن تتولى الموازنة العامة جميع مسؤوليات الإيرادات والمصروفات، بالإضافة إلى استرداد جميع حقوق الدولة بكل جرأة وصرامة دون أدنى تأخير، فيما يتعلق بأراضى الدولة التى تم بيعها «بقروش وملاليم» لأصحاب الثروات، وكذا الأموال التى تم تهريبها للخارج، فمن غير المقبول ألا تستطيع مصر تحصيل الأموال المهربة منذ سنوات.
■ ما رأيك فى تطبيق الحد الأقصى للأجور؟
- لابد أن يكون هناك التزام بتطبيقه، وأنا أتحدث هنا عن الجهات والمؤسسات والهيئات الحكومية، والجهات المملوكة للمال العام، وأرى أن الحد المقرر بواقع 42 ألف جنيه شهريا «كتير»، فى ظل وضع الأجور، فهناك موظفون دخلهم أقل من 1000 جنيه شهريا، وهؤلاء يحتاجون المساعدة، وفى تقديرى يجب أن يعاد النظر فى تطبيق الحد الأقصى للأجور، بحيث لا يزيد على 20 ألف جنيه شهريا لموظفى الحكومة، لكن المبدأ العام الموجود حاليا داخل الحكومة هو وجود حد أقصى دون التفاف عليه.
■ وما تقييمك لشبكات الحماية الاجتماعية التى تقوم بها الحكومة حاليا؟
- مرضية إلى حد ما، فيما عدا المعاشات والتأمينات الاجتماعية، حيث يشعر أصحابها بمأساة، فما يحصلون عليه معاشات لا تكفى الحد الأدنى لمعيشة اجتماعية لائقة، مع مراعاة أن هناك مشكلات فى نظام وقانون المعاشات، حيث لا تمنح الاستقطاعات التأمينية التى يتم خصمها من الموظف أثناء الخدمة أكثر من 30 إلى 40%، بينما تكمل الدولة الباقى، وهو ما يسهم فى عدم تحصيل أصحاب المعاشات مستحقات تناسب معيشتهم وعلى الرغم من ذلك تواصل الحكومة تحسين الإنفاق على البرامج الاجتماعية، ومنها توسيع قاعدة المستفيدين من معاشات الضمان الاجتماعى فى الموازنة الحالية، والمرأة المعيلة، وغيرها.
ومطلوب الوصول إلى منظومة التأمين الصحى الشامل على المواطنين، والإسراع فى تطبيقها بشكل سليم، ومشاركة مجتمعية ومؤسسية لتحمل تكاليف العلاج.
■ لماذا قررت الحكومة تأجيل تطبيق قانون ضريبة الأرباح الرأسمالية «ضريبة البورصة» عامين؟
- وزير المالية بذل جهودا فى تطبيق ضريبة البورصة، والدفاع عنها، وإذا كانت هناك ظروف استدعت تأجيلها، فلابد من البحث عن إجراءات بديلة لتعويض الموارد.
■ كيف ترى ارتفاع أسعار السلع خلال الفترة الأخيرة؟
- أنا غير راض عن ارتفاع أسعار السلع، لاسيما الغذائية خلال الآونة الأخيرة، خاصة أن هذه الارتفاعات تتلاحق بسرعة كبيرة، ولا تتناسب مع دخول الفقراء ومحدودى الدخل بالمجتمع، ويجب مراجعة فاتورة الأجور فى الدولة، خاصة أن اهتمام الموازنة العامة بالفقراء يجب أن يتوسع من خلال الدعم النقدى وتوصيله إلى مستحقيه بشكل مباشر، وعدم الاهتمام فقط بفئة الموظفين من جانب الموازنة، وهناك فئات أخرى مهمشة تستحق الاهتمام وتحسين مستوى المعيشة.
■ ما تقييمك لسياسة الخصخصة وهل يمكن العودة إليها لإنقاذ القطاع العام من الخسائر؟
- سياسة الخصخصة أفشل سياسة، و«جابت القطاع العام للخلف در، وجابت أجلنا»، وعلى الدولة إعادة بناء هذه الشركات والمصانع، خاصة فى صناعات الغزل والنسيج والحديد والصلب والنصر للسيارات وغيرها، وتوفير الآلات والمعدات اللازمة لنهضة الصناعة، وإعادة تشغيل المصانع، خاصة أن حجم البطالة بلغ نحو 31%، حيث وصل عدد العاطلين إلى نحو 3.7 مليون عاطل.
وهناك ضرورة لتحديث الآلات والمعدات المطلوبة، مثلا فى شركات الغزل والنسيج فى كفر الدوار والمحلة الكبرى، حيث تدخلت الدولة، ممثلة فى بنك الاستثمار القومى مؤخرا وضخت نحو 250 مليون جنيه لشركة غزل المحلة فى شكل قرض مساند لشركات الغزل، ما يسهم فى المساعدة على تطوير الإنتاج وزيادة الطاقة الإنتاجية، حيث يساعد البنك فى حدود المتاح وقدر جهده على إعادة هيكلة هذه المصانع. فلا بد من العمل على إحياء شركات قطاع الأعمال العام، من خلال تطوير العمالة وزيادة التدريب، وتحديث الآلات والمعدات وخطوط الإنتاج. ولدينا ما يزيد على 90 مليار جنيه فى بنك الاستثمار القومى مديونيات لدى شركات قطاع الأعمال العام، نسعى من خلال أفكار جديدة إلى إعادة هيكلتها وجدولتها، من خلال إعادة إحياء القطاع، وهناك معاناة فى سداد هذه المديونيات التاريخية.
■ هل من المطروح دخول البنك كشريك فى هذه الشركات؟
- من الصعوبة الدخول فى شراكة بدون دراسة جدوى اقتصادية سليمة، لكن جميع السيناريوهات مطروحة ويجرى دراستها حاليا، خاصة أن وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى الدكتور أشرف العربى يبذل جهودا لإعادة تطوير هذه الشركات والمصانع، والعائد منها، والموازنة بين الإيرادات والمصروفات.
■ وهل يمكن دخول القطاع الخاص بديلا عن البنك؟
- القطاع الخاص لا يهتم سوى بالربح والمكسب، والادعاء باهتمامه بالتشغيل وهم.
■ هل تلجأ الحكومة للاقتراض من صندوق النقد الدولى؟
- الاقتراض من الصندوق يكون بحذر، لاسيما أن سياساته تابعة وخاضعة للولايات المتحدة الأمريكية، ومن الطريف أن يتباكى مؤخرا على قرار الحكومة المصرية بتأجيل تطبيق قانون ضريبة البورصة لمدة عامين، برغم أنه كان هناك اتفاق ضمنى مع الرئيس الأسبق محمد مرسى على تأجيل برنامج الإصلاح الاقتصادى.
■ ماذا عن مديونيات اتحاد الإذاعة والتليفزيون لدى البنك.. وما الحلول المطروحة؟
- مديونيات التليفزيون لدى بنك الاستثمار القومى تبلغ نحو 22 مليار جنيه، وتخص هذه الديون قروضا حصل عليها اتحاد الإذاعة والتليفزيون ولم يسددها، حيث تم تعليتها بالفوائد المستحقة عليها، منذ سنوات طويلة.
ونبحث حاليا التسويات الممكنة مع الاتحاد لهذه المديونيات، وسبل إعادة هيكلتها، وإمكانية الاستفادة من الأصول غير المستغلة لدى «الإذاعة والتليفزيون»، ومنها حصيلة بيع الأراضى التابعة له. وأود القول إن معظم الأراضى التى «تحت يد» اتحاد الإذاعة والتليفزيون، أراضى تخصيص من الدولة، ولا يتم التصرف فيها إلا بقرار من الحكومة، وحين تصبح ملكا للاتحاد يمكن التصرف فيها، وهو ما يجرى دراسته حاليا.
■ وما مصير العاملين جراء تطبيق خطة لإعادة هيكلة الإذاعة والتليفزيون؟
- وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى، الذى يترأس بنك الاستثمار القومى، ويتبع وزارته، حريص على عدم الإضرار أو المساس بالعاملين، ونتجه إلى الاتفاق على تسويات لمديونيات الاتحاد بالتنسيق مع وزارة المالية، بعد الانتهاء من حصر الأصول التابعة له، ولا بد من استغلال الاتحاد للأراضى التى فى حوزته حتى يستطيع سداد الديون المستحقة عليه.
■ لماذا قرر البنك مؤخرا بشكل مفاجئ رفع سعر الفائدة على شهادات الاستثمار فئتى أ- ب؟
- القرار جاء بالتنسيق مع البنك الأهلى المصرى الذى يبيعها، حيث تمت زيادة العائد على شهادات الاستثمار فئتى «أ» و«ب» بنسبة 0.50% «نصف بالمائة»، وهدف القرار تشجيع الادخار، لاسيما أن حصيلتها كانت ضعيفة طوال الفترة الماضية، حيث تفوق الإهلاك، وتم خفض أسعار الفائدة عليها أكثر من مرة خلال الفترة الأخيرة.
ويصدر البنك الأهلى المصرى هذه الشهادات، نيابة عن بنك الاستثمار القومى، منذ فترة الستينيات، وحصيلتها تستخدم فى تمويل خطة التنمية الاقتصادية الاستثمارية للدولة، وأسعار الفائدة الجديدة يتم تعديلها للمرة الأولى منذ نحو عام، لتصبح شهادة الاستثمار فئة «أ» 9.75% بدلًا من 9.25%، وصرف العائد تراكميًا فى نهاية مدة الشهادة، ويصل الأجل الزمنى للشهادة 10 سنوات، وتتراوح فئات الشهادات من 1000 جنيه إلى 50 ألفا.
كما تم تعديل العائد على شهادة الاستثمار فئة «ب» ليصبح 10.25% بدلًا عن 9.75%، ويصرف العائد كل 6 أشهر، وتبلغ مدتها 10 سنوات، أى بنسبة ارتفاع للعائد بمقدار 0.50% لفئتى الشهادتين.
ويصل حجم الشهادات التى أصدرها البنك الأهلى المصرى نيابة عن بنك الاستثمار القومى، من هذا النوع إلى نحو 110 مليارات جنيه.
■ كيف ترى مشروع قناة السويس الجديدة؟
- مشروع قومى جيد جدا، لكن لن يتم فقط بمجرد اكتمال ازدواج ممر القناة فقط، وإنما بإتمام المناطق اللوجستية للقناة، وبالطبع هذا المشروع سيضع مصر مجددا على خريطة الاستثمار والاقتصاد العالمية، فضلا عن استفادة الأجيال المقبلة.