أخلاقيات معاملة الأسرى باليهودية والإسلام

إبراهيم البحراوي الإثنين 08-06-2015 21:09

ناقشنا بجامعة الزقازيق رسالة ماجستير عنوانها «أخلاقيات التعامل مع الأسرى فى اليهودية والإسلام.. دراسة مقارنة» أعدها الطالب محمود الشال. الرسالة قدمت جهدا بحثيا موضوعيا مستندا للأدلة الشرعية من آيات فى التوراة والقرآن لتقديم صورة مقارنة بين القسوة المفرطة بالإبادة التى يتبعها الجنود الإسرائيليون مع الأسرى الذين ألقوا سلاحهم والمدنيين العزل الذين لم يشاركوا أصلا فى القتال من ناحية، وبين الرحمة التى يأمر بها القرآن فى معاملة الأسرى المقاتلين إما بالمن عليهم بإطلاق سراحهم وإما بمبادلتهم من ناحية ثانية.

هذه الرسالة لم تغفل بحث حالة القسوة المفرطة التى تتبعها داعش فى معاملة الأسرى بإعدامهم سواء كانوا من المقاتلين مثلما حدث مع الطيار الأردنى أم كانوا من المدنيين مثل الصحفيين الأمريكيين وغيرهم. فى هذه النقطة توصل الباحث إلى نتيجة مهمة تبين الفهم الخاطئ للآية القرآنية التى يستند إليها فقهاء داعش فهى آية تأمرنا بتقييد الأسير ثم اتخاذ قرار إما بإطلاق سراحه منا عليه وإما بافتدائه ومبادلته بمال أو غيره. أما أمر القتل وضرب الرقاب فيظهر من الآية على نحو بين أنه يتصل بلحظة مواجهة جنود العدو المقاتلين المدججين بالسلاح فى ميدان القتال وليس بعد ذلك. تقول الآية «فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا» (سورة محمد آية 4).

ويستعين الطالب بتفسير ابن كثير ليبين أن ضرب الرقاب يتعلق بضرورة البسالة وإظهار الشدة أثناء القتال وتبادل الضربات مع جند الأعداء وليس بعد أن يلقوا سلاحهم ويسلموا أنفسهم للجندى المسلم. يقول ابن كثير فى الجزء السابع ص 284 من كتابه تفسير القرآن العظيم «إن الله سبحانه وتعالى يرشد المؤمنين إلى ما يعتمدونه فى حروبهم مع المشركين» «فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ» أى إذا واجهتموهم فاحصدوهم حصدا بالسيوف «حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ» أى أهلكتموهم فى القتال فشدوا وثاق الأسرى الذين تأسرونهم ثم أنتم بعد انقضاء الحرب وانفصال المعركة مخيرون فى أمرهم، إن شئتم مننتم عليهم فأطلقتم أسراهم وإن شئتم فديتموهم بمال تأخذونه منهم وتشاطرونهم عليه. يظهر هذا بوضوح أن ضرب الرقاب فى الآية الكريمة كأنه أمر من الله بالاستبسال فى الحرب والقتال، وليس قتل الأسرى العزل من السلاح.

يقول الباحث الشال وكثيرا ما يستشهد تنظيم داعش بالآية المذكورة لتبرير الذبح والقتل والسبى مع أنها خاصة بالمحاربين وقت الحرب ورغم أن فى الآية تخييرا للنبى صلى الله عليه وسلم بين العفو عن الأسرى أو فديتهم بمال ولم تتضمن استعباد الأسير أو ذبحه، وهنا أريد القول إنه يتبين من البحث المقارن أن منطق الآية القرآنية المذكورة يختلف اختلافا جذريا عن منطق الآية رقم 16-17من الإصحاح رقم 20 سفر التثنية بالتوراة التى تأمر بنى إسرائيل بقتل كل الناس فى المدن التى تقع فى أيديهم، حيث يقول النص «وأما مدن هؤلاء الشعوب التى يعطيك الرب إلهك نصيبا فلا تستبق منها نسمة ما بل تحرمها تحريما: الحثيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين، كما أمرك الرب إلهك». ويعلق الباحث قائلا: فى النص السابق نلاحظ أمرا بإبادة جميع سكان هذه المدن دون أدنى شفقة بحيث لا يتبقى منها أحد من البشر. ويقدم الباحث نص آيات أخرى فى سفر العدد بالتوراة نسب للنبى مرسى عليــه السلام أنه وبخ قواد جيشه لأنهم أبقوا النساء أحياء وكان الواجب أن يقتلوهن. تقول الآيات 13-17من الإصحاح 31 سفر العدد «فخرج موسى وألعازار الكاهن وكل رؤساء الجماعة لاستقبالهم إلى خارج المحلة فسخط موسى على وكلاء الجيش، رؤساء الألوف ورؤساء المئات القادمين من جند الحرب وقال لهم موسى: هل أبقيتم كل أنثى حية إن هؤلاء كن لبنى إسرائيل، حسب كلام بلعام، سبب خيانة للرب فى أمر فغور، فكان الوبأ فى جماعة الرب فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال. وكل امرأة عرفت رجلا بمضاجعة ذكر اقتلوها». ويبين نص آية توراتية تالية أن صغار الإناث من العدو يتخذن سبايا وجوارى أى عبدات.

أعتقد أن الباحث يقدم دراسة مقارنة مهمة تبين الدستور الرفيع والأخلاق الرحيمة التى تلتزم بها آيات القرآن الكريم فى معاملة الأسرى وتكشف عن أن الخروج عن هذا الدستور والأخلاقيات يعد مخالفة صريحة من جانب بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة للفهم الصحيح لمنطق الآيات القرآنية الذى لا يبيح قتل الأسرى ولا قتل المدنيين العزل.

فى نفس السياق تقدم الدراسة تفسيرا للدافع الدينى الذى دفع الجيش الإسرائيلى إلى إعدام الأسرى المصريين الذين ألقوا سلاحهم وسلموا فى حربى 1956 و1967. حيث إن باحث الماجسيتر لم يكتف فى رسالته بجانب التشريعات الدينية حول معاملة الأسرى فحسب بل تعدى ذلك إلى تقديم فصل تطبيقى بعنوان «الأسرى فى الصراع العربى الإسرائيلى» مكون من أربعة مباحث، الأول عنوانه معاملة إسرائيل للأسرى العرب، والثانى خصص لجرائم اغتيال إسرائيل للأسرى المصريين، والثالث عن معاملة إسرائيل الإجرامية للأسرى الفلسطينيين، والرابع عن معاملة العرب للأسرى الإسرائيليين. وفيما يخص جرائم اغتيال الأسرى المصريين اعتمد الباحث على عدة كتب قيمة منها كتاب عبدالرازق سليمان بعنوان «جريمة اغتيال الأسرى المصريين وثيقة أدبية إسرائيلية»، وكتاب سيد عيسى «قتل الأسرى المصريين دراسة للجرائم الإسرائيلية» وكتاب رياض أبوالعطا «قضية الأسرى المصريين على ضوء قواعد القانون الدولى الإنسانى».

يورد الباحث اعتراف الجنرال أرييه بيرو الإسرائيلى الذى يتباهى فيه بأنه قتل برشاشه 49 جنديا مصريا أسيرا بعد أن أمرهم أن يستلقوا على وجوههم فى صف واحد فى تراب الصحراء. كما يورد الباحث شهادة أربين إسحاقى أستاذ التاريخ الإسرائيلى على قتل 900 أسير مصرى فى حرب 1956 بعد أن ألقوا سلاحهم وهى الشهادة التى تؤكد أن كبار القادة الإسرائيليين كانوا على علم بهذه الجرائم فضلا عن جرائم بيع أعضاء الأسرى المصريين.

لقد قبلت الإشراف على هذه الرسالة لأهمية موضوعها نظريا وتطبيقيا بدعوة من الزميلة المتميزة الدكتورة هدى درويش، رئيسة قسم الأديان المقارنة بجامعة الزقازيق وبالمشاركة معها وهى التى شاركتنى من قبل فى إدارة بحث جماعى عن استراتيجية إسرائيل ٢٠٢٨ وشرفت بمناقشتها مع الدكتور محمد شفيق، الجنرال المصرى المحترم، الذى قاتل وهو ضابط شاب فى حروب ١٩٦٧ والاستنزاف و١٩٧٣وقضى حياته ضابطا نابها بالمخابرات العامة وهو صاحب خبرة خاصة فى التعامل مع الأسرى الإسرائيليين والدكتورة منى ناظم أستاذة الفكر الدينى اليهودى بجامعة عين شمس. وهى صاحبة الكتاب المهم عن المسيح اليهودى المخلص وأرجو أن تمضى رسائلنا الجامعية فى مجال الدراسات الإسرائيلية على منهج المزج بين الدراسة النظرية التأصيلية والدراسة التطبيقية اللازمة لخدمة أمننا القومى.

info@bahrawy.com