«زي النهارده».. صدور أول عدد من «المصري اليوم» 7 يونيو 2004

كتب: ماهر حسن الأحد 07-06-2015 07:06

عرفت الصحافة في مصر منذ بداياتها كصحافة خاصة، لكنها لم تكن تعرف مصطلح «المستقلة» إذ كانت تعبرعن توجهات سياسية مختلفة وبمرور الوقت صارت صوت الأحزاب، وعندما تأممت الصحافة وألغيت الأحزاب صارت الصحف حكومية ذات خطاب أحادى تقتصر وظيفتها ورسالتها على تجميل وجه النظام ومع عودة الأحزاب بصحفها أصبح المشهد الإعلامى المكتوب منقسماً إلى وجهين، الأول رسمى والثاني معارض.

وفي منتصف تسعينيات القرن الماضي ظهرت مجموعة من الصحف الخاصة بتراخيص قبرصية وأكثرها كان موصومًا بأنها صحف «بير السلم»، إذ كانت تخاطب الغرائز وتتاجر في فضائح ملفقة، إلى أن بدأت تلوح في الأفق تجارب فردية متفرقة لصحف خاصة، مثل «الدستور» في تجربتها الأولى، لكنها أغلقت بعدما اجترأت على بعض التابوهات السياسية.

ثم تحققت الانفراجة الحقيقية بصدور مجموعة من الصحف الخاصة، التي أثرت المشهد الصحفي غير أن بعضاً من هذه الصحف تبنى الخطاب المعارض وبعضها الآخر تبنى الخطاب الحكومي، وفي هذه الأجواء كان مشروع إصدار «المصري اليوم» والتي أسسها المهندس صلاح دياب بدعم وترحيب من كامل توفيق دياب، لعدة أسباب كان أبرزها إحياء ذكرى وتجربة رائدة لعميد أسرة دياب توفيق دياب أحد رواد الصحافة الوطنية المصرية بين الثلاثينيات والأربعينيات الذي أصدر مجموعة من الصحف المهمة كان آخرها «الجهاد».

ومن الأسباب الأخرى للتأسيس، تقديم صحافة مغايرة تحقق إضافة للمشهد الصحفي وخدمة خبرية ومعرفية وفكرية مختلفة، وقد عمدت «المصري اليوم» إلى تحقيق معادلة تقديم صحيفة مستقلة تعتمد على المعايير المهنية وكان العدد التجريبي «الزيرو» برئاسة تحرير الراحل مجدي مهنا، أحد المشاركين الأوائل في تأسيس الجريدة، غير أن المشروع ظل متوقفا ولم تصدر الصحيفة، ثم كان العدد التجريبي الثانى في ٢٤ مايو ٢٠٠٤، إلى أن صدر العدد الأول «زي النهاردة» في ٧ يونيو من ٢٠٠٤.

وأصبحت «المصري اليوم» مدرسة للصحافة المستقلة، وقدمت وجوهًا شابة نابغة، وفتحت صفحاتها للرأي والرأي الآخر وحققت العشرات من الانفرادات المشفوعة بالقرائن، وحظيت باحترام كل التيارات ليس في مصر فقط، بل في العالم العربي، وبالأخص مع تأسيس موقع إلكتروني للصحيفة، الذي يعد من أفضل المواقع الإخبارية في مصر، وضمن أكثر المواقع زيارة حول العالم.

وكان لـ«المصري اليوم» حوارمع مؤسس الصحيفة، المهندس صلاح دياب، في العدد السنوي العام الماضي وقد تحدث فيه باستفاضة وجرأة أيضا عن تجربة تأسيس المصري اليوم وهي شهادة مهمة نستضيء ببعض منها في التذكير بملابسات تأسيس هذه التجربة الصحفية المتفردة والتي أسسها صلاح دياب بدعم ومباركة من الراحل كامل توفيق دياب، وقد قال إن «تأسيس الصحيفة جاء لأكثرمن سبب، أولها إحياء وتجديد لمسيرة صحفية رائدة لواحد من الرواد في تاريخ الصحافة المصرية هو توفيق دياب، الذي أسس أكثر من صحيفة بين عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى، وكان أكثرها شهرة وبقاء جريدة (الجهاد)»، وثانيها رغبة المهندس صلاح دياب في أداء رسالة اجتماعية وخدمية ومعرفية من خلال صحيفة يومية مستقلة مختلفةومن المدهش أن دياب، طوال هذه السنوات، لم ينشر كلمة فيها، ولم تنشر عنه كلمة، ولم تنشر له إلا صورة واحدة، وحتى حين تعرض لهجمة شرسة من صحف قومية، في عهد الرئيس السابق مبارك، لم يلجأ إلى منبره الخاص للرد على هذه الحملة، حتي أنه تردد في الموافقة على إجراء ذلك الحوار العام الماضي حوار له على صفحات الجريدة وكان حوارا جريئا واشتباكيا رغم الأجواء الاحتفالية بعيد ميلاد الصحيفة.

صلاح دياب

وقال صلاح دياب :«لم يكن حلم إصدار الصحيفة حلماً فردياً فقط، وإنما تم بدعم كامل وتمويل ومباركة كامل بك دياب، وأنا لا أنكر تأثير البيئة التي عشت فيها علىّ، مثل أي شخص ينشأ في أسرة تمتهن الصناعة، أو التجارة، أو حتى النجارة، ولما كانت مهنة عميد أسرة دياب هي الصحافة وكان من روادها وأعمدتها وأصدر الكثير من الصحف، أشهرها وآخرها صحيفة الجهاد، كان من الطبيعى وأنا أنشأ في هذا المناخ أن أتأثر به، خاصة أننى تربيت في كنف توفيق دياب، وقد انتقل هذا التأثير إلى أسرتى كلها، فكان من الطبيعى أن تراودنا فكرة تأسيس صحيفة تستعيد وتكرس وتوثق وتمثل امتداداً معاصراً لما مضى، كما أن علاقاتى الحميمة بكبار الصحفيين، أمثال الأستاذ محمد حسنين هيكل، والأخوين علي ومصطفى أمين، وغيرهم كثيرون، انعكست على قناعاتى، وكانت دافعاً لتأسيس «المصري اليوم» في نهاية المطاف.

وتابع: حين أتيحت الفرصة لإصدار صحيفة استثمرتها، وكان هناك شخص في جريدة الأهرام لديه ترخيص بصحيفة اسمها»الزمان«علمت أنه يعرضه للبيع، وكنت في البداية متردداً في شرائه لأحقق حلمى بإصدار الصحيفة، إلى أن تم الاستغناء عن الكاتب الراحل مجدى مهنا في جريدة الوفد، فشعرت بينى وبين نفسى بأن الاستغناء عنه جاء على خلفية معلومات عن مشروعات انتقدتها في حضوره فكتب عنها مثل صفقة «ميدور» التي تخص رجل الأعمال حسين سالم، فكتب عنها سلسلة مقالات في عهد حسنى مبارك قبل الثورة بزمن، وقد أعدنا نشرها في «المصرى اليوم» بعد الثورة، وشعرت بعد الاستغناء عنه بتأنيب ضمير، فبادرت بشراء ترخيص صحيفة الزمان، وطلبت من مجدى مهنا- رحمه الله- أن يترأس تحرير الصحيفة التي أصبح اسمها «المصرى اليوم»، وبدأت أتساءل من الذي يستطيع تأسيس هذه الصحيفة بالمعاييرالمهنية والصحفية الحديثة بالمعنى المستقل، حتى وقع اختيارى على هشام قاسم الذي تتوفر فيه هذه الشروط، وهو الذي اختار أنور الهوارى كأول رئيس تحرير للصحيفة، والأخير هو الذي اختار فريق العمل المستمر بها حتى الآن، كما اختار مجدى الجلاد الذي كان الرجل الثانى بعده، ولذلك عندما ترك الهوارى الصحيفة، كان من الطبيعى أن يخلفه الجلاد ورغم وجود أشخاص لهم وزنهم في المهنة مثل الكاتب الصحفى الكبير صلاح منتصر، ومنصور حسن، وزير الإعلام الأسبق، وآخرون حذروا صلاح دياب من مغامرة إصدار صحيفة، واعتبروا الأمر تهوراً وأنها ستفشل، ومع ذلك مضيت قدماً في التجربة.

صلاح دياب

وأكد دياب أنه كان لديه إصرار على تأسيس صحيفة مختلفة وتجربة مختلفة، وفى ذلك الوقت كانت كل الصحف الخاصة أو الحزبية تصدر أسبوعياً، ورأيت أن الجديد هو إصدار صحيفة مستقلة يومية لكى أحقق شيئاً جديداً وإضافة جديدة، ولذلك كانت «المصرى اليوم» أول صحيفة مستقلة يومية بعد جريدة الأخبار التي صدرت في أول الخمسينيات«شوف بقى كم سنة»وكان هذامكمن الاختلاف، وقد بدأ حلمى بها متواضعاً فلم أحلم مثلاً بأن تكون أعلى الصحف توزيعاً في مصر مثلما هي الآن، وإنما كان حلمى أن تبيع في البداية من ٣ إلى ٥ آلاف نسخة، وأن يصل توزيعنا إلى مستوى توزيع جريدة الوفد التي كانت توزع ٤٠ ألف نسخة، فإذا بنا نصل إلى ٦٠٠ ألف نسخة مع بدايات الثورة.

وقال دياب أنه من أسباب نجاح الصحيفة أنها لم تكن مجاملة، ولا توجد مجاملات في الإدارة أو التحرير، ولذلك حافظت على هذا النجاح وظلت في الصدارة وخلال السنوات التسع الأولي لم تنشر لى صورة في الجريدة، ولم يجر معى حوار قبل هذا الحوار ولم ينشر لى فيها تصريح واحد، وأول صورة تنشر لي فيها حين وجه لى اتهام من النيابة بشىء ما، وسألنى رئيس التحرير هل ينشر الخبر أم لا؟ فقلت له إنه من الطبيعى أن ينشره، وبالفعل نشره في الصفحة الأولى وظلت الصحيفة منحازة تماما لمصلحة مصر والمصريين، وكان لها الفضل على كثيرين، وصنعت نجوما وأسماء لم يكن أحد يعرفها قبل عملها فيها، وصنعت شبابا بديعا وجميلا وهذا فخر لها.