وزير الآثار وفنون الإنكار

علاء الدين عبدالمنعم السبت 06-06-2015 21:31

لم أكن أعرف الدكتور ممدوح الدماطى، وزير الآثار، حتى تابعت حلقة من برنامج البيت بيتك، استضاف فيها السيد نور الدين عبدالصمد، مدير إدارة التوثيق الأثرى، والتى اتهم فيها الوزير بدعم إسرائيل، لأنه- وزير الآثار- وقَّع على وثيقة سرية جداً بعيداً عن سلطات الدولة مع جمعية صهيونية تدعى «الجمعية الجغرافية الأمريكية»، وتنص هذه الوثيقة على أن الفراعنة المصريين كانوا «عبرانيين»، وأضاف نور الدين، خلال حواره فى البرنامج- الذى يقدمه الإعلاميان رامى رضوان وإنجى أنور- أن الوزير الدماطى وقَّع على هذه الوثيقة داخل مكتبه، وسمح بتحليل مومياء توت عنخ آمون وبعض المومياوات المصرية، موضحاً أن الوثيقة المذكورة تنص على أن تحليل الـ«D.N.A» لبعض الملوك المصريين أثبت أنهم ليسوا مصريين، بل عبرانيون، الأمر الذى يخدم ادعاءات إسرائيل بأن لها حقوقاً تاريخية فى الأراضى من النيل إلى الفرات.

وبطبيعة الحال، فإن هذه الرواية من السيد نور الدين تحتمل الصدق أو الكذب، بالرغم من تلويحه بمستندات يقول إنها تثبت اتهامات الوزير إلى أن أجرى الوزير مداخلة تليفونية مع البرنامج، وبدلاً من أن يرد على هذه الاتهامات الخطيرة فوجئنا بسيادته يرد بما يلى:

1) أن السيد نور الدين عبدالصمد محكوم عليه بالحبس ثلاثة أشهر، لإصداره شيكاً بدون رصيد.

2) أن هناك حكماً بحبسه شهراً آخر.

3) أنه غير أمين، لأنه أذاع مستندا سريا للغاية، وكانت الأمانة تقتضى عدم حصوله عليه خلسة وإذاعته.

4) أن الضيف يؤيد داعش.

5) هاجم مقدمى البرنامج واتهمهما بمحاولة النَّيْل منه.

فهو إذن لم يَنْفِ الاتهام وما ساقه من تبريرات ذَكَّرتنى بقصة طريفة مفادها أن أحد الأزواج عاد إلى منزله فى غير موعده المعتاد، وكان مخموراً، فخرجت عليه زوجته بثورة عارمة، لأنه مخمور، وأثناء النقاش شاهد شخصاً يخرج هارباً من غرفة النوم وحين سألها: من هذا؟ قالت له: «ماتغيرش الموضوع»!.

فما علاقة الاتهامات الخطيرة التى أطلقها الضيف فى حق الوزير بأنه محكوم عليه فى قضية شيك بدون رصيد وأنه يؤيد داعش؟ فهل بهذا تنتفى التهمة؟ وما علاقة سرقة المستند- التى نسبها الوزير للضيف- بصحة أو عدم صحة مضمون المستند؟ ولا شك أن ما أثاره ضيف الحلقة- إن صح- يمثل كارثة لا تؤثر على وزارة الآثار فحسب، بل هى تمس الأمن القومى المصرى، والهوية المصرية، خاصة أن رئيس الجمعية الجغرافية الأمريكية هو «روبرت مردوخ»، ذو الميول الصهيونية، رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للإعلام الدولى News Corporation نيوز كوربوريشن، التابعة لها قناة «فوكس نيوز» الإخبارية المشهورة بمناصرتها المطلقة لإسرائيل وعدائها الشديد للعرب وللقضية الفلسطينية.

وإن كان السيد نور الدين قد سرق الوثيقة- كما يقول الوزير- فيجب محاكمته عن ذلك، وهذا أمر لا ينفى مضمون الوثيقة وصحة ما ادعاه السيد عبدالصمد من توقيع الوزير على هذه الوثيقة.

والحقيقة أن ما دفعنى لكتابة هذا المقال هو مشاهدتى حلقة الثلاثاء الماضى من برنامج «البيت بيتك»، والذى استضاف فيها الإعلامى المتميز عمرو عبدالحميد السيد الوزير الدماطى، والذى ظهر من خلاله أن الوزير ينكر كل شىء، حتى الثابت بالمستندات أمام الجمهور، وبدلاً من الرد الموضوعى على الأسئلة الذكية التى وجهها له عمرو عبدالحميد، فإن الوزير راح يكيل الاتهامات لمسؤولى البرنامج، ويصفهم بعدم المهنية والمصداقية، وبأنهم يتصيدون لسيادته، وأنه هو المطلوب وليس الآثار، وأنه لم يأت للبرنامج لتلبية الدعوة، وإنما لإيضاح الحقيقة للناس، والحقيقة أن السيد الوزير قد نجح فى إيضاح حقيقة إنكاره وتصميمه على هذا الإنكار بدليل ما يلى:-

1) أنكر السيد الوزير فى السابق كارثة أثرية محلية ودولية شهدها المتحف المصرى، وتعرض لها قناع توت عنخ آمون الذهبى- أثمن قطعة أثرية عالمية على الإطلاق- بعد ما تعرضت لحية الملك للكسر، وتم ترميمها ولصقها بشكل بدائى وخاطئ باستخدام مادة «الأيبوكس» فى تثبيت الذقن، وحدوث سيلان منها على الذقن، ما أدى لتشويهها.

وما زاد الطين بلة أن المرممين لجأوا لإزالة مادة «الأيبوكس» السائلة على الذقن باستخدام مشرط، وأدى ذلك إلى ظهور خدوش بوجه القناع، وأثار هذا العمل التخريبى الرأى العام العالمى، وأحرج مصر دولياً، وخرج وزير الآثار وقتها على كل وسائل الإعلام، مصرحاً بأن كل ما ذكر عن واقعة إتلاف قناع توت عنخ آمون مكذوب تماماً، وعار عن الصحة، وأنكر كل ما قيل جملة وتفصيلاً، وأكد أن القناع بحالة جيدة، وأنه قرر تشكيل لجنة من خبراء الترميم، للرد على ما يقال فى وسائل الإعلام، وقامت اللجنة التى شكلها الوزير بتكذيبه، وقررت أن المادة المستخدمة فى ترميم القناع شوهته.

2) ينكر الوزير- وعلى الهواء- بدائية نقل غطاء «إخناتون» محمولاً على الأكتاف، وقد ظهرت الصورة على الشاشة- دون وجود أى عوامل تضمن سلامة نقل الأثر المهم، ويقرر سيادته أن معدل «الاهتزاز» للحمل على الأكتاف أقل معدل، وهو الطريقة الآمنة لنقل الأثر!!

3) ينكر الوزير تشويه هرم «سقارة» بالترميم الخاطئ، وينكر أن اليونسكو قد هددت برفعه من قائمة التراث العالمى، وظهر هذا الإنكار فى برنامج الصورة الكاملة للإعلامية ليليان داوود، ويومها اتهم الوزير الإعلامية بأنها كاذبة، بالرغم من قراءتها تقرير منظمة اليونسكو عن أخطاء ترميم هرم الملك زوسر، وقال إنكم تروجون للأخبار الكاذبة ولأغراض خبيثة، وبدلاً من البحث عن سبيل لحل أزمة «سقارة» بشكل فعلى، قام الوزير- استمراراً للإنكار- بتحويل السيد نور عبدالصمد، مدير التوثيق الأثرى، إلى التحقيق بشأن تصريحاته حول ما تعرض له الهرم من أعمال ترميم خاطئة قد تؤدى لانهياره.

4) ينكر الوزير كارثة القضاء على موقع مسرح العبد الأثرى بمنطقة كامب شيزار بالإسكندرية، والمصنف بأنه لا يوجد له موقع شبيه، لأنه يضم أكبر مقبرة أثرية رومانية فى التاريخ، حيث قامت وزارة الآثار- وبعد ثلاثة أعوام من أعمال التنقيب عن الآثار بالموقع- بتسليم الموقع لمالكيه لإقامة برج سكنى، وتم هدم الأثر بالجرارات، وقال الدكتور زاهى حواس، وزير الآثار الأسبق، إن ترميم مسرح العبد الأثرى بالإسكندرية يعد كارثة ضربت الآثار، ولابد من محاكمة المسؤولين عما حدث، فالموقع يمثل قيمة أثرية وحضارية كبيرة، وهو ما ذهبت إليه الدكتورة مونيكا حنا، أستاذة علم المصريات، والتى قالت إنها ستبلغ النائب العام عن هذه الجريمة، وحين ووجه الوزير بما ساقته الدكتورة مونيكا، قال إنها كاذبة، وإنها لا شأن لها بالآثار وتقوم بالتدريس لمادة لا علاقة لها بالآثار، وحين طلبت الدكتورة مونيكا المداخلة، رفض الوزير، وهدد بالانسحاب.

5) على الهواء ظل الوزير يقرأ بيانات لا نعلم إن كانت صحيحة أم خاطئة، والذى يحدد ذلك هم المتخصصون فى هذا المجال، وحين طلب بعضهم المداخلة على الهواء وطلب الإعلامى عمرو عبدالحميد مناقشة البيانات التى يقول بها الوزير من قِبَل هؤلاء الخبراء، هدد الوزير بمغادرة البرنامج فى حال دخول أى مكالمات تليفونية أثناء تواجده على الهواء، مشككاً فى ضيوف البرنامج ومن يريد الرد عليه، وقال سيادته: «إنتم بتجيبوا ناس كل مرة من نفس النوعيات»، ورد عليه عمرو عبدالحميد بأنه يجب أن تحترم ضيوفنا، فهم لهم حق الرد، لأن رفضك يدل على أن هناك «إنَّ فى كلامك»، وأنا لا أفهم كل ما تقول به من كلام متخصص وإحصائيات.

إضافة لكل ما سبق، فإن أسلوب السيد الوزير فى التصميم على إنكار كل شىء- حتى ما يُعرض أمامه ويشاهده كل متابعى البرنامج، ودفعه لاتهامات كارثية له تهدد الأمن القومى بتوجيه اتهامات هزلية لمنتقديه، مع عدم نفى الاتهام الأصلى وتعامله بصلف وعنجهية لا مبرر لها وشعور زائف بتضخم الذات وتعاليه على كل من يحاوره- كل ذلك ينبئ قطعاً بخلل جسيم فى اختيار المسؤولين.

وأخيراً، لقد بحثت عن سبب واحد لهذا الصلف والشعور بالعظمة الزائفة التى يعانى منها السيد الوزير، فلم أجد ما يؤهله لتلبس هذا الدور، ولله فى خلقه شؤون.