أبشر يا بشير بشرة خير

رامي جلال السبت 06-06-2015 21:24

كعادته، وعلى أنغام أغنية «أبشر يا بشير» (بطريقة «بشرة خير» المصرية)، رقص الرئيس السودانى، المطلوب دولياً، بعصاه الشهيرة احتفالاً بتنصيبه رئيساً لسنوات مديدة أخرى. بعدها أكمل الوصلة بكوبليه «سأكون رئيساً لكل السودانيين»، ثم مقطع «سنطبق الشريعة الإسلامية».

عصا البشير تُوجَّه دوماً لمن عصى، وقد ذكرتنى بأنواع أخرى لها رمزيتها؛ فالصولجان هو عصا القوة، والعصا البيضاء هى عصا الضعف (أداة الضرير). وهناك العصا الخضراء (فى الفولكلور المصرى)، فتقول الأغنية: «سيدِى ضربنى بعصايته الخضرا»، و«السِّيد» هنا يُقصد به الجد، والأخضر يرمز إلى البركة والخير.

أشهر عصا دينية هى «عصا موسى»، التى تحولت لثعبان وشقت البحر. وهناك أيضاً «عصا سليمان»، وهى تسمى بحسب القرآن الكريم «منسأة»، وأظن أنها حُرفت بالمأثور الشعبى إلى (مسوأة)، فيُقال فى وصف أحوال العمال «الشقا والضرب بالمسوأة». ولعلها هنا العصا نفسها التى تحدث عنها المتنبى حين قال: «لا تشترِ العبد إلا والعصا معه». لكن أشهر عصا فى الأدب العربى هى «عصا الحكيم» التى حاورها وألَّف لها كتاباً باسمها وقالت له فيه إن فى بلداننا خبيراً مهمته وضع كل شىء فى غير محله! (ذهب الحكيم وبقى الخبير!). وفى تاريخ السياسة المصرية هناك «عصا البغدادى السحرية»، والمقصود هو الراحل عبداللطيف البغدادى، عضو مجلس قيادة الثورة، الذى كان يشير بعصاه إلى العشوائيات فتبدأ عملية تطويرها.

فى الغرب يحرقون العصى للتدفئة ويسمونها «حطب»، أما فى الشرق فيضربون بعضهم بها للتسلية ويسمونه «تحطيب». ولكل طبقة اجتماعية مجموعة من العصى الخاصة بها ويمكن ترتيبها طبقياً بشكل تصاعدى كالآتى مثلاً: عصا الراعى، عصا البلياردو، عصا الجولف وهكذا.

وقد يرفع الإنسان العصا لأعلى فتكون «نبوتاً» ويصبح هو «فتوة»، أو قد يضعها على الأرض فتكون عكازاً ويصير هو كهلاً. وحين نمسك العصا من أحد أطرافها فإننا نستفيد بها، أما حين نمسكها من المنتصف فالمستفيد هو الآخرون. وبعض ملحقات العصا قد تحدد هويتنا؛ فإذا ثبتنا بها خنجراً فنحن محاربون، وإذا وضعنا لها خيطاً فنحن صيادون، وإذا علقنا بها جزرة فنحن سياسيون!

والدول أيضاً تعبر عن نفسها بالعصا؛ فتضعها فى يد «شرطى مرور» يحرك بها الجميع معبراً عن هيبة الدولة، أو تضعها فى يد «شرطى مغرور» يضرب بها الجميع ممثلاً لبطش الدولة؛ فهراوة واحدة فى يد غير مسؤولة قد تُضيع مجهود سنوات من محاولات كسب الثقة، فليس مقبولاً أن يتعامل البعض بمبدأ البشير «العصا لاتزال فى جيبى».