وصفة لإدراك السعادة

أيمن الجندي السبت 06-06-2015 21:18

قال السلطان فى حزن شديد: «ابنى تعيس جدا».

وغلبه التأثر وهو يستدعى صورته. ملامحه التى تتصارع فيها الطفولة والشباب! وشاربه الخفيف الذى لا يكاد يُرى. ونظرة الركود الفارغة من كل معنى. وعينيه الخاليتين من أى وهج. وكأنه يقول للعالم: «دعونى وشأنى».

المشكلة المعتادة. ولى العهد والوريث المنتظر لسلطنة تقع فى شرق العالم. تبلغ مساحتها أميالا معدودة. ولكن أفاءت عليها الطبيعة بمناجم الماس والذهب ومجرات لا حصر لها من النفط، لذلك لا عجب أن يُصنّف هذا السلطان كأغنى رجل فى العالم.

نكس الحكيم وجهه فبدا برأسه المنحنى وجذعه النحيل العارى كزهرة لوتس وحيدة. قال الحكيم محاولا التخفيف عنه: «أنت تعلم أيها السلطان أن السعادة فراشة مراوغة».

قاطعه السلطان قائلا فى رثاء: «حينما كان طفلا لم يكن يطلب الطعام! لا يركض ويجرى كسائر الأطفال! حتى الألعاب التى ملأت بها القصر لم يهتم يوما بها».

وسكت كلاهما. وتداعت صورة الصبى الذى صار على أعتاب الشباب والذى يشبه والده برغم فارق العمر. إذ أنه فى تلك البقعة من البلاد ملامحهم لا تكتهل! حتى ليبدو ابن السبعين كفتى العشرين فيما عدا شعره الأبيض.

استطرد السلطان: «حينما جاء أوان البلوغ قلت إنه سيهتم بما يهتم به أقرانه. أحطته بالجوارى الجميلات، كلهن يتمنين إشارته، فلم ينشط لهن. قلتُ سيهتم بالسيارات، فأحضرت له أغلى سيارات العالم المسبوكة من ذهب وفضة. اهتم أياما بتعلم القيادة وبعد أن قاد زهد هذا كله. وظلت قافلة السيارات فى حديقة القصر الحزين يعلوها الغبار تنتظر سيدها كى يقودها».

قال السلطان بصوت غاضب: «ما فائدة أن يكون أغنى رجل فى العالم إذا لم يسعد لحظة بما يشتريه المال!». ثم أردف بصوت متهدج: «تذكر أيها الحكيم. هو ليس ولى العهد فقط والسلطان القادم. ولكنه ابنى الوحيد الذى أحبه».

بدا الحكيم فاهما لكل شىء. ولاحت له عينا الصبى الخاليتان من الوهج، وقد بدا فى أعماقهما انحلال السلالات القديمة. قال فى هدوء:

«أوافقك يا مولاى أن ابنك تعيس جدا. أتعس من الفقراء الذين يتسولون طعامهم».

وأحس السلطان بالرضا لأن الحكيم تجاوز ظاهر الثراء إلى حقيقة الفقر. وأحس بقلبه يخفق بالأمل. فالتشخيص السليم سيؤدى لا محالة إلى العلاج الصحيح.

استطرد الحكيم: «مشكلة هذا المسكين أنه لم يعرف الحرمان قط. لم ينفق الليالى يفكر فى غادة مُمتنعةّ! لم يتوسل إلى أبيه كى يبتاع له سيارة! أحطتموه بالمآدب والجوارى والسيارات الفارهة. فكيف تتصورون أن يكون سعيدا؟

وانتاب الحكيم غضب مفاجئ مع أن الحكماء عادة لا يغضبون: «انظروا إلى الجريمة التى ارتكبتموها فى حق هذا الصبى الذى وضعته الأقدار وديعة بين أيديكم. أطفأتم الوهج الربانى بالترف. وحرمتموه من لذة الاكتشاف ومتعة النعم الصغيرة».

قال السلطان فى تصميم: «سأفعل ما تأمر به طالما سينقذ ابنى ويعيد له الولع بالحياة ومتعة الأشياء البسيطة».

قال الحكيم: «الحل أن تحرمه من كل هذا الترف وتجعله يعيش حياة بسيطة عادية». ارتعش صوت السلطان وهو يسأل: «وهذه المقتنيات باهظة الثمن ماذا أفعل بها؟».

تفكّر الحكيم قليلا ثم قال: «أعطها لمن يسعد بها. أرسل هذه الأشياء فورا.. المجوهرات! الجوارى الحسان! سيارات الذهب والفضة إلى رجل فى مصر اسمه (أيمن الجندى) فهو يعرف كيف يتمتع بها».

aymanguindy@yahoo.com