لماذا لم تشارك مصر التجربة الهندية في التنمية واكتفت بمشاركتها في تأسيس حركة عدم الانحياز

هاني السلاموني الجمعة 05-06-2015 20:47

هناك الكثير من أوجه التشابه بين مصر والهند فكلا البلدين ينتميان لحضارات قديمه تعتمد أساساً على الزراعه حول أحواض الأنهار وكلاهما تحررا من الاستعمار البريطاني تقريبا في نفس الظروف والوقت نفسه وكلاهما تبنى برامج حكوميه للتصنيع في الستينات كما ان كلاهما خاضا حروبا طاحنه في الخمسينيات والستينيات وبدايات السبعينيات وكلا الدولتين لديها أكثر من 50% من المجتمع في سن الشباب والأهم أن كلا البلدين شارك في تأسيس حركة عدم الأنحياز وصاغوا سوياً «مبادئ باندونج العشرة« إلا أن الهند نجحت في إبتداع طريقة خاصة بها للتعاطي مع التنمية على عكس مصر، وذلك بإعمال التزامن بين الإصـــــلاح الإقتصادي والإصلاح السياسي وبناء المؤسسات الديمقرطية على الرغم من الكثافة السكانية الهائلة والتى وصلت في أخر إحصاء إلى مليار و250 مليون نسمة ينتمون إلى أعراق متعددة ويتحدثون 33 لغة وحوالى 2000 لهجة محلية مختلفة ويدينون بديانات متعددة أشهرها الهندوسية والبوذية والمسيحية والإسلام، إلا أن التجربة التنموية الهندية تمثل واحدة من أهم التجارب المثيرة للجدل في عالمنا المعاصر، حيث مازال الهند البلد الذي تتسع فيه الهوة بين الأغنياء والفقراء، ويعاتي فيه أكثر من ربع سكانه من الفقر، ومع ذلك تمكنت الهند من توفير تعليم كفء ومجاني ومتطور ومتاح للجميع بدون تمييز ووصل عدد المتعلمين في الهند إلى 75% من إجمالى تعداد السكان (النسبة في مصر وصلت إلى 55%) حيث تنفق الهند حوالى 5.6% من دخلها القومى على التعليم مما ساعد على تأهيل كوادر بشرية من المهندسين والأطباء والعلماء والذين استطاعوا أن يتفوقوا عن نظرائهم الصينيين واليابانيين تكنولوجياً مما ساهم في أن الهند أصبحت الدولة الرابعة في العالم التي تنجح في إرسال مركبة الفضاء مانجاليان إلى كوكب المريخ لأستكشافه بتكلفة زهيدة وصلت إلى 74 مليون دولار (حوالى 10% من التكلفة الأمريكية لنفس المهمة العلمية) وعلى الرغم من أننسب الأمية مازلت مرتفعة في الوسط الريفي وخصوصا عند النساء ،لكن منظومة التعليم تعمل على انتهاج أختيار انتقائي يقوم علىاحتضان المتفوقين لتنمية الكوادر القادرة على التفوق والتنافس إلى جانب تطوير نظام التربية والتكوين، كما أن الهند استثمرت في مجال البحث العلمي من خلال بناء جامعات تكنولوجية متخصصة وإرسال بعثات من الشباب الهندي إلى وادي السليكون في كاليفورنيا ثم بناء ثانى وادى للسليكون في العالم بمدينة بنجالور وأنشاوا بها مراكز أبحاث وأرسلوا شباب العلماء للدراسة بأفضل عشر جامعات في العالم، ويعكس الترتيب العالمي لمراكز الأبحاث مستوى التطور العلمي بالهند، فمن خلال التقرير السنوي لاحصاء مراكز «Think Tanks» الذي قامت بهجامعة بنسيلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية عام 2010، فإن الهند تحتل الترتيب الرابع على المستوى الدولي ب 261 مركزا للبحث العلمى بعد كل من المملكة المتحدة والصين والولايات المتحدة الأمريكية وهذا الترتيب مؤشر قوي علىأنه لا تنمية بدون بحث علمي وأن الرهان على الاستثمارات البعيدة المدى يعد جزءا من التفكير الاستراتيجي الذي وجب أن تتسلح به النخب السياسية.

ونجاح تجربة الهند التنموية لم تقتصر فقط على وصولها للمركز الـ 12 كأكبر أقتصاد في العالم أو أنها من أكبر الأقتصادات نمواً حسب تقارير البنك الدولى بل الأهم نجاحها في أستيعاب التطرف والتعصب الدينى خاصة بين الهندوس والسيخ والمسلمين حيث لعبت القيم الديمقراطية الهندية وتداول السلطة بين مختلف الأحزاب السياسية دور فعال في مواجهة مختلف التحديات كما أن الدستور يعتبر الشعب الهندى هو مصدر السيادة والشرعية ومن ثم فإن إقرار القوانين يختص به البرلمان، الذي يجسد حقيقة إرادة الشعب الهندى بمختلف طوائفه، بالإضافة إلى التعليم الجيد المبنى على التسامح واحترام الأخر مهما كان جنسه اولونه أو دينه وتوفير فرص عمل وخلق فرص للتعايش السلمى قائمة على الحوار والمصالح المشتركة بين الطوائف الدينية المختلفة في المناطق الملتهبة طائفياً، كل ما سبق ساهم في القضاء على التطرف والتعصب الدينى بنسبة كبيرة .

ويرجع الفضل في نجاح الهند في بناء أقتصاد قوي قائم على مقدراتها الذاتية وعلى الموارد البشرية الوطنية المؤهلة إلى النخبة السياسية الذين حصلوا على تعليم جيد في إنجلترا قبل الأستقلال ولم يلتفتوا إلى مصالحهم الخاصة وتولوا تدبير الشأن العام بعد الأستقلال عام 1947 برؤية وطنية مستقلة وحيادية وموضوعية وقائمة على مصلحة الهند والشعب الهندى فقط وأصدروا دستور عام 1950 واتخذوا من الديمقراطية خياراً لا رجعة فيه كما ساهموا في تغيير سياسة الانكماش والانعزال الاقتصاديين التي تم إتباعها في عهدكل من «المهاتما غاندي» و«جواهر لال نهرو»، إلى سياسية الانفتاح على العالم وعلى الاستثمارات الأجنبية التي طورت اقتصاد البلاد عام 1991 .

في طريق النهضة التي سلكته الهند أستعانت الدولة بمؤسسات المجتمع المدنى في محاربة الفقر وفى تطوير العشوائيات كما ساهمت في تشكيل مؤسسات مجتمعية تقوم على جهود أفراد المجتمع أنفسهم لتزويد السكان بالخدمات التنموية المجتمعية الأساسية مثل توفير خدمات التعليم والصحة والتدريب المهني وبناء القدرات والمهارات وتوليد الدخل إضافة إلى سبل الاستفادة المثلى من الخدمات الحكومية ومحاربة الفقر بالإضافة إلى خدمات الدعم الفنى لمشروع البيوجاز الذي يولد طاقة بديلة ونظيفة من المخلفات الحيوانية والبشرية في القرى والمزارع لأستخدامه كغاز للطبخ وللإنارة والتدفئة وكذلك لتمويل وتطويرودعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة.

النجاح الهندي يكمن في «إدارة» عملية التنمية بشكل فعالومهنى ومستدام بعيداً عن أي مصالح أو أهواء مما ساعد على نقلها من دولة فقيرة إنتاجها المحلي الكلي لا يتجاوز 226 مليار دولار إلى دولة غنية إنتاجها المحلي الكلي يصل إلى 1.67 تريليون دولار بمعدل نمو 7.5%. كما أنها نجحت في تطبيق أستراتيجيات ناجحة في مجال التنمية والابتكار كما أن توحي كل المؤشرات بأن الهند ستنضم إلى نادي الدول العظمى في المجالات الاقتصادية والبحثية والابتكارية بالإضافة إلى المجالات العسكرية حيث من المتوقع أن تحتل المرتبة الثالثة عالمياً اقتصادياً بحلول عام 2030 خاصة في ظل التطور الهائل الذي يشهده القطاع الخاص الهندي القائم بالأساس على الصناعات الصغيرة والمتوسطة كما أن الهند لها الأفضلية عالمياً في التكنولوجيا الحديثة والصيدلة وصناعة الآليات والصناعة المتعلقة بالفضاء .

إن مصر لا تحتاج إلى 30 عام حتى نرى أثار التنمية في مصر كما يدعى البعض ولكن تحتاج إلى تبنى برامج لتنمية المهارات والعلم والبحث والابتكار حيث أنها الأسلحة الأساسية التي سوف تسمح لمصر بفرص الربح في معركة التنافسية واللحاق بشريكتها التاريخية الهند، وهذا التحدي يتطلب إعتماد نظام تعليمي وصحى عالى الجودة لا يميز بين الفقراء والأغنياء ولا بين الدلتا والصعيد ولا بين بدو سيناء وأهل القاهرة، والأهم هو وجود رؤية واضحة للتنمية في مصر وأستراتيجية وطنية فعالة ومستدامة قائمة على التعددية والديمقراطية الحقيقية ومكافحة الفساد.