كما في الرواية الشهيرة لأليكساندر دوما، لدينا هنا ثلاث فرسان أيضًا يعيشوا بنفس المبدأ «الكل للواحد والواحد للكل» لكن الاختلاف الأساسي أن الفارس الرابع لم يأتي من باريس، وليس صغيرًا في السن، بل هو رجل في العقد الرابع من عمره أتى ليحول الفرسان الثلاثة لأقوي خط هجوم في العالم.
مشكلة المهاجم
كانت مشكلة برشلونة الأساسية منذ فترة بيب جوارديولا الناجحة أن النادي لا يجد مهاجم قوي يوفر حلول مختلفة عن اللعب التقليدي للنادي خاصة مع حفظ الفرق المنافسة لطريقة لعب البلوجرانا والاحتياج الدائم لمهاجم قادر على التسجيل من أنصاف الفرص وتحويل الفريق هجوميًا لتنفيذ هجمات مرتدة سريعة.
فشل ديفيد فيا وإبراهيموفيتش في أداء الدور وظن البعض أن خطة الفريق لا توفر أي حيز لمهاجم كلاسيكي، حتى جاء لويس سواريز ليكمل عقد الفرسان الثلاثة في برشلونة، ورغم دخوله تشكيلة الفريق نهاية أكتوبر الماضي بداعي الإيقاف والبدايات الصعبة إلا أن نجم هجوم البارسا استطاع حل معضلة كبيرة في خطة الفريق ونجح ورفيقيه في تسجيل 120 هدف قبل مباراة نهائي دوري ابطال أوروبا.
لويس إنريكي، المدرب الإسباني، الذي يهوى ركوب الدراجات، وسافر حول العالم ليمارس رياضته المفضلة قبل الالتحاق بفريقه السابق برشلونة كمدرب، نجح في تشكيل ثلاثي خرافي، فرسان يحاربون من أجل التسجيل في مرمي الخصوم، بينهم تفاهم غير طبيعي، لا أحد يضع نفسه قبل الفريق، ميسي يترك ضربة جزاء لنيمار، ونيمار يرفض أن يمد قدمه ليسجل بينما ميسي خلفه، وسواريز يمرر لزميليه مهما كانت الفرصة سهلة طالما هما في مكان أفضل.
تلك الروح الجميلة بين الثلاثي ما كانت لتنشأ لو أن دور أي منهم يطغى على الآخر، وهنا يأتي دور إنريكي الذي حدد أدوار كل لاعب في الملعب بشكل يناسبه وفي نفس الوقت يفيد الفريق.
ميسي وسواريز
كان أكبر تغيير في خطة برشلونة هو خروج ميسي على طرف الملعب جهة اليمين، رغم لعبه كمهاجم وهمي لسنوات تحت قيادة جوارديولا ومن تبعه وتحقيقه لأرقام قياسية وأداء رائع، لكن خروج ميسي على الطرف الأيمن لم يكن مشكلة، فاللاعب الذي يجيد في الوسط بعيدًا عن أعين قلبي الدفاع، وجد له إنريكي مكانًا أفضل باللعب على يمين الملعب مع حرية الدخول، ربما مركز ميسي الآن هو أفضل مركز له منذ لعب، والامر غير متعلق بسجله التهديفي لكن بموضوع خططي.
عندما قرر بيب جوارديولا اللعب بميسي كرأس حربة وهمي فعل ذلك كي يبعده عن قلبي دفاع الفريق الخصم، وكي يستغل المساحة الموجودة بين لاعبي الارتكاز وقلبي الدفاع ليتمكن ميسي من التسجيل أو التمرير أو المراوغة بسهولة، لكن تلك الطريقة بدت مكررة جدًا وأصبحت الفرق تلعب بقلب دفاع في وسط الملعب ليغلق تلك المساحة، كما فعل مورينيو أمام برشلونة بوضعه لبيبي في وسط الملعب أمام ثنائي قلب الدفاع، فاختار إنريكي أن يطور لعبه قدمها الراحل تيتو فيلانوفا في أهم مبارياته على الإطلاق عندما هزم ميلان «أليجري» برباعية نظيفة بعد تخلفه بهدفين نظيفين في ذهاب دوري أبطال أوروبا.
قدم فيلانوفا ديفيد فيا أمام ميسي ليتحرك ميسي بسهولة بينما يشغل فيا المدافعين، إنريكي يفعل نفس الأمر لكن بوجود سواريز الذي يلعب كرأس حربة صريح مهمته الأساسية سحب قلبي الدفاع وترك المساحة أمام ميسي.
في هدف ميسي الرائع الفردي أمام أتليتك بلباو في نهائي الكأس، كان ميسي يركض من اليمين تجاه وسط الملعب متجاوزًا المدافع تلو الآخر، وما لم يدركه الكثيرون أن سواريز فتح له باب التسجيل وكان كفيلًا بتقليل عدد المدافعين أمام ميسي بل أن تسديدة ميسي التي أحرز منها الهدف أتت من تحت أقدام سواريز الذي شغل هذا الحيز حتى لا يشغله مدافع من بلباو وقفز مهاجم البلوجرانا من أمام ميسي، بينما في عالم آخر كان مدافع من بلباو ربما هو الواقف أمام تلك التسديدة.
اللعبة متكررة في رياضات كثيرة في كرة اليد وفي كرة السلة، وحتى في كرة القدم يستخدم نفس التكنيك في الضربات الثابتة فيصعد لاعبين من نفس الفريق ليحجز أحدهما المدافعين فيما يسجل الآخر.
سواريز ونيمار
على عكس ميسي فإن نيمار يلعب على طرف الملعب ولا يتوغل كثيرًا يحب خط التماس ويراوغ دائمًا ناحيته، مستغلًا مجموعة من المهارات التي جلبها من البرازيل أعادت للأذهان ذكريات رونالدينيو ورفاقه، ويختلف أيضًا دور سواريز في مساندة نيمار، فالمطلوب من سواريز هنا أن يكون محطة لنقل نيمار للأمام (overlap)، فسواريز يجيد الاستلام وظهره للمرمى ويستلم ويمرر تحت أي ضغط، ما يكفل لنيمار فرصة كبيرة للانقضاض على الظهير الأيمن لأي فريق.
تذكر الإحصائيات رقم غريب، نيمار لم يصنع أي تمريرة حاسمة لسواريز، فيما سواريز لا يترك مباراة إلا ويساعد فيها رفيقه على الجبهة اليسرى، لكن ما هو السبب؟
عندما يمرر نيمار الكرة لسواريز، فالأخير غالبًا على حدود منطقة الجزاء، خرج بقلبي دفاع الفريق الخصم وترك الظهير الأيمن مكشوفًا أمام نيمار، فتكون التمريرة الحاسمة للبرازيلي الذي يراوغ بسهولة رقيبه فيصبح منفردًا بحارس المرمي، في تلك اللحظة، سواريز لا يعود سريعًا لمنطقة الجزاء، تاركًا المساحة لنيمار ليتحرك، فيما في الناحية الأخرى ميسي منطلق كالسهم من الطرف الأيمن لمنطقة الجزاء، منتظرًا إما الاحتفال بهدف نيمار أو تمريرة حاسمة من البرازيلي ليسجل هدف.
لكن هذا لا يعني أن سواريز لا يستفيد من رفيقيه ومجرد سنيد لهما، فتحرك ميسي على الطرف الأيمن، ونيمار على الطرف الأيسر، يجبر كثيرًا أحد قلبي الدفاع على الخروج لمواجهتهم، مما يجعل سواريز في مواجهة منفردة أمام قلب دفاع الفريق، وغالبًا ما تتحول الكرة لهدف.
ميسي ونيمار
قال الهولندي يوهان كرويف أن شراء برشلونة لنيمار يعني أن الفريق عليه أن يبيع ميسي، كان أسطورة برشلونة الحية يرى أن الفريق لا يستطيع اللعب بنجمين يلعبا غالبًا بطريقة مشابهة معيدًا للأذهان مشكلة بيل ورونالدو في ريـال مدريد، لكن كرويف نفسه عاد منذ أيام ليقول إن نيمار عرف أن ميسي هو نجم الفريق لذلك فالفريق ينجح.
وهذا أساس التعاون بين اللاعبين، فرغم كونهم على طرفي اللعب إلا أن ميسي يصنع لنيمار والعكس صحيح، ويحدث هذا بشكل أساسي بسبب إدراك نيمار لدوره في الفريق وترتيبه، فميسي هو أفضل لاعب في الفريق وأفضل لاعب في العالم وربما الأفضل في التاريخ، نيمارسيحصل على التقدير المطلوب في وقته وربما سيكون أفضل لاعب في العالم بعدما يترك ميسي عرشه، لكن حتى هذا اليوم، فنيمار يحترم ميسي وميسي يفعل المثل، لكن كيف يسجلان؟
يلعب ميسي على الطرف الأيمن لكنه يدخل كثيرًا للعمق، سواريز يشغل قلبي دفاع الفريق الخصم، ونيمار منتظر على الجبهة الأخرى، عندما لا يجد ميسي حلًا ليمر من أمام لاعبي الفريق الخصم يلعب كرة طولية من جهته لناحية اليسار تجد نيمار وتضعه منفردًا.
ميسي أتقن تلك اللعبة كثيرًا، صنع منها ثلاث أهداف لتيو، ناشيء الفريق في مباراة الكأس أمام ليفانتي العام الماضي، بنفس الطريقة، دفاع الفريق الخصم يتحرك ككتلة واحدة ناحية اليمين عندما يمتلك ميسي الكرة فيرفع ميسي عينه ويلعب كرة بينية طولية للقادم من الجبهة الأخرى.
أما نيمار فيصنع لميسي عندما يتواجد الأخير في منطقة الجزاء، الجميع مشغول والكرة مع نيمار وسواريز بالطبع يشغل باقي المدافعين بينما ميسي منتظر ليسجل من تمريرة من الجبهة اليسري تمامًا كما فعل في الهدف الثالث أمام بلباو في نهائي الكأس لكن هذه المرة كان داني ألفيش ظهير الفريق هو صانع الهدف.