لأن السياسة والرياضة كانتا حديث الناس ومثار اهتمامهم وانتباههم طيلة الأيام القليلة الماضية.. سياسة جسدتها رحلة الرئيس السيسى إلى العاصمة الألمانية برلين ومعه المسؤولون والسياسيون والعلماء الرائعون الذين تفخر بهم مصر.. ورياضة تمثلت فى انفجارات متتالية لفضائح فيفا وبلاتر الذى اضطر للتخلى عن عرش كرة القدم فى العالم.. فقد وجدت نفسى أمام كل ذلك مطالبا بالتوقف أمام رواية عربية جميلة ورائعة، قرأتها العام الماضى عنوانها «برلين 36».. رواية كتبها اللبنانى إسكندر نجار عن مدينة برلين حين استضافت دورة الألعاب الأوليمبية عام 1936.. وبالمزج بين حقائق التاريخ وشخوصه الحقيقية وخيال الكاتب ولوازم النص الأدبى.. يحكى إسكندر عن العاصمة الألمانية وكيف امتزجت على أرضها السياسة بالرياضة بالصحافة بالقوة والمظالم وكل الحقوق الضائعة..
وكيف سافر العالم كله وقتها إلى برلين ليتحدى دعاية هتلر ورغبته وإصراره على استخدام الدورة الأوليمبية لترويج أفكاره النازية.. ويتوقف كاتب الرواية طويلا أمام أدولف هتلر والوزيرين النازيين جوبلز وجورينج اللذين نجحا وقتها فى استخدام الرياضة لترويج الرايخ الألمانى الثالث.. لكن يطيل كاتب الرواية حديثه التاريخى والدرامى أيضا أمام اثنين نجحا فى تحدى هتلر ورجاله.. العدّاء الأمريكى الأسود جيسى أوينز الذى احتقره هتلر بسبب لونه لكن أوينز نجح رغم ذلك فى الفوز بأربع ميداليات ذهبية، ليقدم للعالم كله فيما بعد درساً لا ينتهى، هو أن النجاح وليس الصراخ.. الإنجاز وليس الكلام.. الجهد وليس الغناء.. هى التى تكتب التاريخ وتصنع الانتصار.. وهنا أتوقف أمام بعثة مصر التى سافرت إلى برلين عام 1936..
بعثة عربية ممن رآهم هتلر أقل مكانة وقدرة من العنصر الآرى الألمانى، لكن أبطال مصر نجحوا فى إجبار هتلر على احترامهم والتصفيق لهم أيضا.. فازوا بخمس ميداليات أوليمبية.. كلها فى رفع الأثقال.. بميداليتين ذهبيتين لخضر التونى ومحمد مصباح، وفضية لصالح سليمان، وبرونزيتين لإبراهيم شمس وإبراهيم واصف.. وواثق أن هناك مسؤولين مصريين فى برلين 2015.. رئيساً ومسؤولين وعلماء قليلين.. كانوا يستحقون أيضا ميداليات من ذهب فى الذكاء والشجاعة والقوة والحوار والإقناع وحمل الهموم والمخاوف والأحلام.. لكننى حين أعود لرواية «برلين 36».. أجد أيضا الصحفية الفرنسية كلير لاجارد.. وهى الصحفية التى توقف أمامها التاريخ الرياضى والأوليمبى فى العالم بكثير من التقدير والاحترام.. فعلى الرغم من أنها كانت ابنة رجل فرنسى وامرأة ألمانية.. وأنها مجرد صحفية تكتب عن دورة برلين الأوليمبية لصحيفة لوتو الرياضية اليومية فى باريس.. وأنها لا تملك إلا قلمها وأوراقها وضميرها وإمكاناتها القليلة فى مواجهة ماكينات الدعاية النازية وكل السلاح والغطرسة ووحشية رجال هتلر.. إلا أنها لم تخف.. وتصدت للدعاية النازية.. وغيرت كثيرا من المفاهيم والقناعات.. وأثبتت أن كلمة صادقة وهادئة هى الأكثر تأثيرا ونجاحا أيضا.. وكانت كلير لاجارد حكاية جميلة أقنعت العالم بما يقدر عليه الإعلام حين يقوم بواجبه لتوضيح الحقائق وتغيير الآراء والأفكار.. وللأسف سافر السيسى إلى برلين 2015 دون كلير لاجارد مصرية.