«حزب مبارك».. هُدم المبنى وبقى المعنى

عمار علي حسن الخميس 04-06-2015 21:59

بعد طول انتظار، جاءت أول ضربة فأس وأول زمجرة جرافة لهدم المقر الرئيسى لـ «الحزب الوطنى» المنحل، الذى اشتعلت فيه النيران يوم «جمعة الغضب» 28 يناير 2011 وأتت عليه كاملا، فأصبح خربا فى مبناه، بعد أن خرب معناه لسنين طويلة، تابع فيها المصريون على مضض تجبره وفساده إلى أن انفجروا فى وجه قادته وأتباعه، فأزالوهم عن الحكم مثلما يُزال هو الآن من الوجود تماما، فلا يبقى حتى مجرد أثر بعد عين. وظن المتفائلون والمتعجلون وقتها أن هذا الحزب، الذى كان يرأسه حسنى مبارك، قد رحل إلى غير رجعة، وأن عهدا جديدا قد بدأ، ينافى ويجافى كل ما كانت تفعله السلطة التى قامت ضدها الثورة. لكن ها هى سنوات أربع تمر، ليكتشف الجميع أن هذا الحزب قد طار رأسه، لكن بقى جذعه وأطرافه، فظل يقاوم ويبقى على فرصه فى الحياة بحثا عن رأس جديد، ليستعيد وجوده، ويحمى منافعه ومصالحه، التى حازها بنهب المال العام وسرقته، وتزوير الانتخابات، وتجاهل إرادة الشعب، والاستهانة بمقدرات الدولة، ودمجها كلها فى يده. قبل سقوط مبارك بسنوات كتبتُ عن «المباركية» كطريقة فى التفكير والإدارة، وقلت إنها تنطوى على تفكير بليد بطىء متخلف، وإدارة مترهلة غارقة فى الفساد حتى الأذقان. كما كتبتُ دراسة عن «الزبائنية» التى شكلت تحالفا جهنميا حول مبارك ونجله من كبار قادة الجهاز الأمنى، وجنرالات الجيش، وأصحاب الحظوة من رجال المال، وبعض وجهاء الريف وكبار الملاك، وبعض المثقفين والإعلاميين المتواطئين مع النظام الحاكم. طار الرأس وبقيت «المباركية» بزبائنيتها،

التى سعت منذ أن قال المرحوم عمر سليمان عبارته الشهيرة التى اختتمها بـ«والله الموفق والمستعان» إلى أن تستعيد النظام، أو تحافظ على بقاياه وترممها، وتطلعت إلى من يحكمون البلاد، فعولت على المجلس العسكرى، وترقب بعضها إمكانية التسوية مع الإخوان، لكنهم أرادوا أن يُورَّثوا كل ما تركه مبارك، بل يخطفوا الدولة نفسها، فجرى الصراع، وشارك فيه كل أنصار مدنية الحكم والخائفين من تسميم المجال العام بالتطرف الدينى والمنافحين عن الدولة، فلما سقط الإخوان، تطلع هؤلاء إلى وزير الدفاع عبدالفتاح السيسى الذى كان الطريق يُمهد أمامه ليصبح رئيسا، فلما وقع هذا، راحوا يعولون عليه فى أن يحافظ لهم على مكتسباتهم، ويرسلون رسائل مبطنة إليه بأنه إن صارعهم ستكون الكلفة كبيرة، وكانت رسالتهم الأولى فى انتخابات الرئاسة حين أحجموا عن استعمال نفوذهم العميق، وتوظيف أموالهم الضخمة، لحشد الناس إلى صناديق الاقتراع. الآن يرتفع صوت هؤلاء فى وجه الجميع، بعد أن استعملوا إعلامهم فى تشويه الثورة، مستغلين ارتباط حفنة من الشباب بمشروع غربى تمويلا وتخطيطا لنعت يناير بـ «المؤامرة»، ونجحوا، مؤقتا، فى أن يشككوا قطاعا كبيرا من الشعب فيما صنعه، ورفضوا التبرع لصندوق «تحيا مصر» وخرجوا من مؤتمر شرم الشيخ بقوانين تعمل فى صالحهم، ولهذا يمدحونه بإفراط، وعادوا ليحاولوا السيطرة على البرلمان المقبل بأموالهم، سواء بشراء مرشحين أو ناخبين أو تنفيذ دعاية سياسية جبارة، لا يقدر عليها شرفاء وطنيون أكفاء من الفقراء. الآن لا يزال رهانهم على السيسى مستمرا كى يكون الرأس الذى طار، ولو بمسحة من زينة، بينما يراهن الشعب، صاحب السيادة والثورة، فى الاتجاه المضاد، وعلى الرئيس أن يختار بين الماضى والمستقبل، بين الثورة وضدها، قولا وفعلا، وعليه أن يدرك أن هدم «الحزب الوطنى» كمبنى ليس كافيا أبدا، وأن الأولى والأهم والأنجع هو هدم كل المعانى السلبية التى تركها «المنحل»، وأن كل يوم يمر دون فعل هذا يخصم من شعبية الرئيس وشرعيته.