السعودية فى مأزق، كل الأشياء التى دفعت المملكة ثمنها مقدما لم تحصل عليها، مئات الملايين أنفقت فى سوريا وقبلها فى العراق، ومليارات أخرى تنفق فى اليمن، ورغم كل ذلك لم تحصد إلا انفجارات المنطقة الشرقية، النفوذ الإيرانى يتمدد، وإيران على وشك إغلاق ملفها النووى ورفع العقوبات... يالها من خيبة أمل.
ربما يكون اختيار الملك سالمان وزير خارجية من خارج العائلة له علاقة بفشل السعودية فى ملفاتها الخارجية فى السنوات الأخيرة، المملكة بحاجة إلى عقلية مختلفة تدير شؤونها الخارجية، العالم يتغير والسياسة لها دروب ومسالك تتواكب مع العصر،عادل الجبير قادر على إدارة الملفات الخارجية لبلاده بمنطق براجماتى يدرك نقاط القوة عند المملكة ويستثمرها دون انتظار توقعات تتجاوزها، وهو ما يتميز فيه عن سلفه الأمير سعود الفيصل.
الحرب فى سوريا لم تعد حرب شعب ضد نظام، بل تحولت لحلبة صراع لأصحاب النفوذ والهيمنة، الكل يشارك فى غرس سهم فى قلب الثور الدمشقى، ولا يدركون أن سقوطه سيكون بداية سقوط المزيد من الذبائح العربية.
سياسة مصر كانت واضحة، خروج الأسد بالقوة سيؤدى لفراغ سلطة مثلما حدث فى ليبيا ولا بديل عن الحل السياسى، الفوضى فى سوريا تهديد مباشر لمصر تماثل فى مخاطرها هجوم التتار والحروب الصليبة، وهذا كان خلافا أساسيا بين مصر والسعودية.
الآن الوضع تغير مع سيطرة داعش وتمددها فى سوريا، أتفهم تصريح وزير الخارجية السعودى حول تطابق وجهات النظر المصرية السعودية حول ضرورة رحيل الأسد ثم البدء فى المحادثات بين المعارضة والنظام، بعد فشل الأسد فى تأمين بلاده، ولكننى لا أفهم كيف يمكن أن تتطابق وجهات نظر البلدين بالنسبة لليمن؟ وهى فخ أمريكى نصب بعناية للسعودية كما حدث من قبل مع صدام حسين، ما يحدث هناك ينطبق عليه المثل الشعبى «مش قادر على الحمار يتشطر على البردعة».
مصر التى تخطو بخطوات ثابتة ومتوازنة فى سياستها الخارجية، ليس من مصلحتها أن تجامل السعودية، لمواقفها الكريمة،على حساب توازناتها الإقليمية ومصالحها، فنحن لسنا فى حرب نفوذ مع إيران، ولنتذكر أن السعودية ودول الخليج لم تدعم مصر فى حربها ضد الإرهاب فى ليبيا بعد ذبح المصريين هناك.
وليكن لنا فى موقف ألمانيا أسوة حسنة، فلقد رفضت ميركل بحزم تسليح أوكرانيا، رغم ضغوط واشنطن، وأصرت على الحل الدبلوماسى، ولولا موقفها لكانت هناك «يمن» أخرى على حدود روسيا.
مواقف ميركل السياسية جديرة بالتقدير، فلقد تعلمت من دروس الماضى، وهى الزعيمة الأوروبية الوحيدة التى شاركت روسيا احتفالها بعيد النصر رقم 70فى مايو الماضى، وهذا لم يمنعها من انتقاد بوتين فى عقر داره بسبب ضم إقليم القرم ولقد رد عليها بوتين متهما الغرب بازدواجية المعايير، فهو يؤيد عودة الرئيس الشرعى لليمن فى حين وقف مع الانقلاب على شرعية رئيس أوكرانيا السابق «فيكتور يانوكوفيتش»!، لم تلغ ميركل الزيارة وتصعد الخطاب العدائى، لكن أعربت عن وجهة نظرها بدون مواربة، ومن يراقب وجهها خلال زيارتها ولقائها ببوتين سيدرك أنها لم تحاول إظهار أى ود ولو مصطنع بل ظل وجهها جامدا، فهى سيدة حكم عن جدارة، ولا يمكن أن ننسى النظرة التى رمقت بها الرئيس الأسبق مرسى حين نظر إلى ساعته فى المؤتمر الصحفى الذى جمعهما أثناء زيارته لألمانيا.
الزعيمة الألمانية ميركل شخصية واضحة وشديدة الذكاء، فترة حكمها الممتدة لعشر سنوات، إنجازات على الصعيد الداخلى والخارجى لبلدها، وهى التى تدير بحكمة سياسة أوروبا الخارجية والاقتصادية.
السيسى يزور ألمانيا وهو يدرك قدرها وقدرتها، سيطلب من ميركل الدعم الاقتصادى والمساندة فى حربه على الإرهاب، وستطلب ميركل إجابات عن ملف الإخوان والأحكام القضائية وحقوق الإنسان، كما أن هناك معايير للسلع التى تدخل الاتحاد الأوروبى، هناك أيضا معايير للحكم لمن يطلب مساندة أوروبا.
أتمنى أن تقنع إجابات السيسى فيما يخص سياسته الداخلية وموعد الانتخابات البرلمانية ميركل، ويحوز ثقتها، أما كيف سأتأكد من ذلك؟، وجه ميركل، التى تستحق بجدارة لقب بلقيس الغرب، سهل القراءة وملامحها مابتكدبش.