تأملات في شقاء العرب*

جمال الجمل الثلاثاء 02-06-2015 21:51

لا أعرف سمير قصير معرفة شخصية، ولم أهتم بسيرته المهنية كأستاذ للعلوم السياسية وكاتب يساري معارض، ولم أنشغل بحياته، لكنني انشغلت كثيرا بموته، وعلى وجه الدقة شغلتني طريقة موته.

في مثل هذا اليوم قبل 10 سنوات خرج سمير من مسكنه في حي الأشرفية بالعاصمة اللبنانية بيروت، واتجه نحو سيارته التي تركها قرب أحد محال البقالة أسفل المنزل، فتح الباب، وجلس على مقعد القيادة، وبمجرد إدارة المفتاح لتشغيل المحرك انفجرت قنبلة مزروعة أسفل مقعده باحترافية عالية، فقد أنهت القنبلة حياته دون أن تقتل السيدة التي كانت تجلس في المقعد المجاور!

ما أمهر الإرهابي الذي زرع القنبلة، وما أجمل حرص أنظمة القمع على الأخلاق وحقوق الإنسان!!

عندما وصلنا الخبر، كان العدد الأسبوعي من صحيفة «الدستور» قد خرج من المطبعة، وأبدى الصديق إبراهيم عيسى حزنا شديدا على مقتل الكاتب المنفتح على المستقبل، المندد بالتواجد السوري في لبنان، المدافع عن حرية الصحافة، الذي اتخذ من مقالاته في صحيفة «النهار» منبرا يؤذن فيه لمستقبل عربي جديد يتسع للديموقراطية وحقوق الإنسان.

ربما كان عيسى أكثر المتأثرين حينذاك بمقتل القصير، لإحساسه بأنه على الطريق نفسه، تحت تهديد الخطر نفسه، لكن قمع نظام مبارك لم يكن قد وصل إلى درجة تصفية الصحفيين بالتفجير الاحترافي، كان في مرحلة التهديد بالسجن، والخطف، والضرب، والترويع، كما حدث مع مجدي حسين، وأحمد منصور، وجمال بدوي، وعبدالحليم قنديل، وآخرين، ونلاحظ أن نظام مبارك التزم معايير المساواة في القمع، فلم يفرق بين يمين أو يسار، لا فرق في الترويع بين إخواني أو وفدي أو ناصري، إذا اقترب أحدهم من نفوذ الهانم أو طموح الوريث، أو كهنة الإكسلانس.

بالنسبة لي كانت جريمة تصفية القصير بمثابة إعلان دموي مدوي عن احتدام المعركة بين القديم والجديد على الساحة السياسية المتهالكة، التي تسيطر عليها أنطمة عربية عتيقة في مفاهيمها وأدواتها، فقد كان صيف 2005 هو صيف التحولات التي لانزال نعيش تداعياتها في المنطقة، حيث بدا واضحا أن هناك أجيالا جديدة تسعى بجرأة لتحديث مجتمعاتها، في مواجهة سلطات عقيمة لم تطور مفاهيمها وأساليبها، إلا في مجال القمع وهندسة التفجيرات، ففي لبنان لم يمض شهر يونيو إلا بعد ان أخذ معه القيادي اليساري جورج حاوي أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني الذي اغتيل بنفس الطريقة، وبعده محاولة اغتيال للإعلامية منى شدياق اكتفت فيه «قنبلة مقعد السيارة» بالتهام ذراعها وساقها، وبرغم سيارته المصفحة التهمت «قنبلة المقعد» حياة الصحفي البارز جبران تويني مدير تحرير «النهار» قبل أن يكتمل العام الحاسم.

بعد هذا الدم المشبوه بدا واضحا أن النظام السوري لايستوعب المتغيرات، وأنه مصم على مواصلة أساليبه القديمة دون فهم لأبعاد الخطر التي تحيط به، وانتهت المقامرة الغبية بالخروج من لبنان، زالدخول بعدها في حرب دموية كبرى لم تقف عند حد تصفية الصحفيين والمعارضين، بل وصلت إلى تصفية الشعب السوري نفسه دفاعا عن النظام.

في مصر اتخذت الدراما مسارات متشعبة، تقترب حينا من المأساة، وتسقط أحيانا أخرى في الملهاة، معارضون يرددون مع القصير «عسكر على مين؟»، ثم ينظمون قصائد المديح في مولانا ساري عسكر بونابرته، القمع الذي أكل الأخصر واليابس في سوريا، يتحول في مصر إلى أسلوب للحفاظ على الدولة، ومنهج نمضي به في خريطة الطريق نحو المستقبل!

لا فرق كبير في رأيي بين شقاء العرب في سوريا، وبين شقائهم في اليمن وليبيا، وتونس، والصومال، والسودان، والعراق، وموريتانيا، ومصر.

كلنا في القمع عرب
كلنا في التخلف عرب
فتمهل بنا أيها الشقاء
رحماك..
فقد استضفناك بيننا طويلا!

العنوان:
* في كتابه «تأملات في شقاء العرب» يرى سمير قصير أن الشقاء العربي لا يتمثل في خيبة الأرقام، ولا ينبع من الفقر والتخلف الاقتصادي فقط، ولكن ينبع بالأساس من فقر المفاهيم والمشاعر والنظرة للمستقبل!