عزيزى نيوتن

نيوتن الأحد 31-05-2015 21:32

تحية طيبة وبعد،

لقد تفضلت بطرح سؤال هام على كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وهو سبب شعبية الرؤساء وبصفة خاصة الرئيس جمال عبدالناصر. وبكونى أشرف أن أكون عميدة هذه الكلية المرموقة، يسعدنى أن أرفق لكم تعليق أستاذنا الدكتور مصطفى كامل السيد حول التحليل العلمى لشعبية الرؤساء.

هالة حلمى السعيد

أسباب شعبية الرؤساء

طرح نيوتن على كلية الاقتصاد والعلوم السياسية سؤالاً حول أسباب شعبية الرؤساء، وتحديداً حول ما اعتبره شعبية كاسحة للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، على نحو تجاوز بكثير شعبية كل زعماء مصر الذين سبقوه أو لحقوه فى القرن العشرين. وبطبيعة الحال يمكن أن تتفاوت اتجاهات الإجابة عن هذا السؤال، ولكن من ناحية أخرى فهناك معايير للإجابة يمكن أن تكون موضع توافق عام، حتى لو اختلفت الآراء فى كيفية تطبيق هذه المعايير. وهى معايير أربعة:

١- الظرف التاريخى الذى ظهر فيه الزعيم.

٢- مضمون السياسات التى اتبعها.

٣- حجم الإنجازات التى حققها فى تنفيذه لهذه السياسات.

٤- وأخيراً سمات الزعيم الشخصية.

وقبل استعراض هذه المعايير لابد من توضيح أن أى زعيم مهما كانت شعبيته، فلن يكون هناك إجماع تام على تقديره. الشعبية تعنى أن غالبية المواطنين تؤيده، ولكن هناك دائما أقلية تعارضه بل ربما تكرهه إلى حد تمنى زواله عن الحياة الدنيا أو على الأقل ابتعاده عن ممارسة السلطة، ولذلك فالبحث فى أسباب الشعبية يجب أن يرتبط بتحديد ما هى القطاعات التى أيدت الزعيم، وما هى القطاعات ذات العدد المحدود نسبيا التى كانت تعارضه.

وفى حالة جمال عبدالناصر فمن المؤكد أنه كان يلقى التأييد من جانب الفلاحين والعمال وقسم واسع من الطبقة المتوسطة فى مصر، كما أن الموسرين من المصريين، خصوصا من كبار ملاك الأراضى وأصحاب المشروعات الصناعية والتجارية والخدمية المتوسطة والكبيرة التى جرى تأميمها فى الستينيات لم يكونوا يحملون له كثيراً من الود. كما عارضه الإخوان المسلمون طوال فترة حكمه تقريباً، وكذلك معظم التنظيمات الشيوعية حتى منتصف الستينيات.

الظرف التاريخى الذى ظهر فيه عبدالناصر هو بلد محتل ونظام سياسى غير مستقر، وسيطرة استعمارية شاملة على الوطن العربى. وكان توجه سياساته واضحا نحو التخلص من الاحتلال، واستعادة كرامة المصريين فى مواجهة الدول الاستعمارية، خصوصا بريطانيا، وتحقيق قدر من الاستقرار السياسى فى مصر، كما كانت سياساته تميل لصالح الطبقات ذات الأغلبية فى المجتمع بدءا بقوانين الإصلاح الزراعى التى استفاد منها 14% من الفلاحين، وتثبيت إيجارات المنازل، وإدخال مجانية التعليم الجامعى خصوصا، وتوفير الوظائف لخريجى الجامعات، فضلا عن إشراك العمال فى أرباح مؤسساتهم وفى إداراتها. ومن الناحية الأخرى فقد ألغى الأحزاب السياسية، وأخضع الصحف للملكية الحكومية، وكانت هناك قيود صارمة على حرية التعبير عن الرأى.

وقد حققت هذه السياسات إنجازات واضحة، منها خروج قوات الاحتلال البريطانى مرتين من مصر فى سنة 1956، واستعاد المصريون كرامتهم بتأميم قناة السويس وبمكانته البارزة بين زعماء العالم الثالث فى وقته، وكان نظامه السياسى مستقرا أغلب الوقت. ولاشك أن سياساته الاجتماعية أفادت أغلبية المصريين. وهنا يمكن الاستعانة بمؤشرات التنمية الإنسانية لقياس أثر هذه السياسات على مستوى معيشة المصريين ودرجة تعليمهم والزيادة فى متوسط أعمارهم، وكذلك تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وهو ما يتفق مع الاتجاهات الأخيرة فى قياس التنمية الإنسانية التى تولى أهمية كبرى لقضية العدالة الاجتماعية.

وأخيراً هناك السمات الشخصية للزعيم، ومنها نمط حياته البسيط والذى ابتعد عن تقليد أنماط الاستهلاك التفاخرى، وتفضيله أن يتجنب الانتقال للسكن فى واحد من القصور الملكية السابقة، وأن يظل فى نفس المنزل الذى كان يقيم فيه ضابطاً فى الجيش مع توسيعه، وكذلك حرصه على التواصل مع المواطنين وقدراته الخطابية التى كانت تجعله قريباً من المواطن العادى، خصوصاً أن دعوته للقومية العربية التى تستمد بعضاً من جذورها من الإسلام أيقظت فى نفوس المصريين والعرب الاعتزاز بثقافتهم وتاريخهم.

طبعاً يمكن أن تكون هناك انتقادات حادة لبعض هذه السياسات، وأنها ربما يعتقد البعض أنها انعكست سلبا على أداء مصر الاقتصادى بعد وفاته (ولكن المؤشرات الاقتصادية كلها تؤكد أن هذه الفترة من أفضل الفترات الاقتصادية) ولكنها هى التى أكسبته الشعبية حيا وميتا، وهى التى جعلت المواطنين يغفرون له سقطاته، ومنها هزيمة مصر أمام إسرائيل فى حرب الأيام الستة فى سنة 1967، ولكن المصريين والعرب وقفوا معه فى مواجهة الهزيمة لأنهم اعتبروا أن الحرب التى شنتها إسرائيل والولايات المتحدة كانت حربا عليهم وعليه، باعتباره رمز نهضتهم ووقفتهم أمام قوى الاستعمار والصهيونية التى تكن لهم العداء.