حين قام هذا الشعب بثورته لم يكن له هدف سوى إسقاط نظام الدولة. وليس إسقاط الدولة نفسها. ثم رأينا من يحاول استغلال الظرف لإسقاط الدولة بكل مؤسساتها. لولا أن قيض الله لها من يمكنها من الصمود في وجه تلك المحاولات لتبقى الدولة على حالها من التماسك، وإن فقدت بعض ما يلزمها من استقرار. ولكن الخطأ الذي وقع فيه الكثيرون من المسؤولين أنصار بقاء الدولة والحفاظ عليها من السقوط هو اعتقادهم الراسخ بأن الإبقاء على الدولة يستوجب الإبقاء على نظامها الموروث. فحافظوا عليه وأبقوه على حاله دون تغيير ذى بال.
فعادت الشرطة إلى قتل الأبرياء وتلفيق القضايا. وتبرير ممارساتها الخاطئة بحجة المحافظة على الاستقرار والوقاية من الفوضى. كما عاد الفساد ليطل برأسه ويخرج لسانه للجميع. بل إن بعضه عاد مدموغا بختم النسر وبرعاية الدولة ذاتها التي اضطرت للسكوت عنه بداعى الحفاظ على الاستقرار حتى وإن كان وهميا. وعاد رجال الدولة لممارساتهم الترفيه والسلوكيات المستفزة بحجة إظهار هيبة الدولة. سيارة جديدة لمحافظ الإسكندرية بثمن يقارب المليون جنيه. وميزانية للضيافة في وزارة العدل يكفى ثمن الشيكولاتة فيها راتبا شهريا معقولا لعشرين خريجا جامعيا..!
وإذا كان الإرهاب هو وسيلة أعداء الدولة لإسقاطها، فإن تلك الممارسات والمواقف لبعض رجال الدولة وهيئتها تسرع بإسقاط الدولة أكثر من غيرها من الوسائل. كما أن إظهار رجال القضاء تحديهم السافر للدولة والقانون برفضهم الحد الأقصى للأجور، وكذلك رجال البنوك وغيرهم من موظفى الهيئات الرسمية، يضع الدولة في موقف ضعيف يغرى خصومها بالضرب في عضدها. فضلا عن أنه يعزلها عن أنصارها ويباعد بينها وبين قواعدها المؤيدة فيبقيها معلقة في الهواء في مواجهة أعدائها.. وليس تراجع الدولة عن تحصيل الضرائب عن أرباح البورصة سوى إقرار بحالة الضعف الذي أعجزها عن فرض إرادتها على الجميع.
إذا كان هذا هو حال رجال الدولة ومؤسساتها الذين يتحدون إرادتها ويعملون على كشف ضعفها أمام خصومها وأعدائها، فكيف نلوم هؤلاء الأعداء إذا عملوا على إسقاط دولة يعمل منتسبوها أنفسهم على إسقاطها؟!