«سكستين سويت»

مصباح قطب الجمعة 29-05-2015 22:50

يحتفل المقيمون في الولايات المتحدة وبصفة خاصة ذوي الأصول الإسبانية بشكل صاخب بمناسبة بلوغ البنت عمر 16 عاما. يسمى الحفل من هذا النوع «سكستين سويت بارتى». الأمر في جانب منه ابتكار تجاري شأنه شأن عيد الحب كده. لكن لا يمكن إهمال القيمة الكامنة فيه لهذا السبب. المصريون والعرب وأهل البلاد الإسلامية هناك لا يتحمسون بالطبع لمثل هذا النوع من الحفلات وقد لا يرون فيها إلا نوعا من قلة الأدب والمسخرة.

قد تشهد هذه الحفلة أو تلك أو ربما الاحتفالات كلها أنواعا من التفلتات والابتداعات و«الأفورة» غير أن ذلك لا يجب أيضا أن ينسينا أبدا المغزى العبقري لمثل هذا الاحتفال على الجانبين.. أقصد جانب البنت وجانب الـ16 عاما أي مناسبة أحق بالفرح والاحتفاء بها من تلك؟

ابتكار المناسبات الحلوة يجيء ضمن قدرة اجتماعية تعويضية لتخفيف إرهاق العمل وضغوط الحياة والواقع القاسي في مجتمع رأسمالي لا يرحم. لا بأس. الفرح سلاح الإنسان الأخير في مواجهة وحشية عقيدة الربح. أو هكذا أظن أو أتمنى.

على جانبنا يندر أن ننتهج هذا النهج وإذا سلكناه فبلا إبداع أو لمجرد التفاخر أو الاستجابة العمياء لحملات إعلانية أو دعائية أو للتقليد الأعمى فضلا عن ميل اكتئابي عميق بالأصل يصبغ لون الفرح مهما ارتفع صوت الصخب.

الحديث عن نقاط الضوء وعن الأفراح الشحيحة في حياتنا والتقاطهما هو عمل كاشف لأصحاب الانحيازات الحقيقية للعدل والإحسان والحرية من غيرهم.

أعرف أن طاووسيين وفرقا لا حصر لها بينهم حتى بعض أهل اليسار للأسف العنيف لديها عماء يمنعها من أن تلتقط هذه الومضات والتي لولاها في مجموعها لصارت مصر معتمة لا تطاق .هذه الفرق تخشى أن يخلو الحديث من أفراح أو إضاءات هنا أو هناك بلوحة رفضها الراديكالي أو المتشدد للنظام، أو قد ترى أن سلوك هذا النهج يعرض من يقوم به بالوصم بأنه يحاول تجميل النظام أو إخفاء قبحه مع أن الذين ينتصرون للجديد وللثوري وللعادل وللمشرق لا يمكن أن ينجحوا في ذلك إلا بالارتكاز على أبطال أو صناع الأفراح الصغيرة هؤلاء.

لقد هزني إلى أبعد مدى مشهد على صفحة مركز البحوث والدراسات المالية – فيسبوك- لعدة رجال وسيدتين يحتفلون بمديرة تفتيش مالي في إحدى المحافظات انتهت خدمتها بالإحالة إلى المعاش. بعد الحديث عن «المحترمة» التي تمنى لها الجميع حياة بر وخير وطمأنينة وسط أسرتها وبعد إشادة بالمدير الجديد وتفانيه وإخلاصه وقدرته على احتواء الجميع، انفض الحفل المقام في مكتب فقير ولم يكن هنالك أي مظهر احتفالي باستثناء زجاجة مياه صغيرة أمام المحتفى بها وأخرى أمام القادم الجديد محلها!.

لحظات الصمت الجليل- احتراما لرهبة الحدث- هي فاكهة هذا النوع من الاحتفالات. بعض القفشات حول مواقف وحكايات وظيفية. وعود حماسية بتواصل لا ينقطع تبددها بعد حين شواغل العيش. التفاتة أخيرة إلى مبنى ظل المحال معاشا يتردد عليه ثلاثة عقود أو أكثر. ثم إلى الصمت يمضي هؤلاء ويمضي ملايين مثلهم بشرفهم واستقامتهم وبساطتهم شاعرين أن مجرد كلمات ثناء صادقة من زملائهم هي زاد ما تبقى من العمر. من يلتقط هذه اللحظات التي تكاد تكون بلا عدد في بلادنا من فرحة تلميذ في تالتة أول- بأي مدرسة – بفوزه في مسابقة أو حصوله على مركز على مستوى الإدارة التعليمية أو المنطقة أو المحافظة إلى احتفاء ببنت بلغت الستة عشر أو بمن أدى الواجب بضمير ومضى في سلام. رغم كل العك الرسمي والأهلي المريع مصر ستظل حبلى بالأمل في مجيء فرح كبير.