مواجهة حرب الاستنزاف التى يُشّنها الإخوان على الدولة

سعد الدين ابراهيم الجمعة 29-05-2015 20:47

منذ ثورة 30 يونيو، وعزل الرئيس محمد مرسى، في الثالث من يوليو عام 2013، اتخذ مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين قرارًا بشن حرب استنزاف على الدولة المصرية، مُمثلة في جيشها، وجهاز شرطتها، وسُلطتها القضائية.

وقد رأينا، كيف استهدف الإخوان وحدات الجيش والشُرطة منذ أواخر 2013 وطوال عامى 2014 و2015. ثم ها هم أخيرًا (14/5/2015) يستهدفون بالاغتيال ثلاثة من القُضاة، في مدينة العريش، بمحافظة شمال سيناء.

وقد جاء حادث الاغتيال الأخير، خلال ساعات من صدور حُكم الإعدام على الرئيس الأسبق محمد مرسى، ومائة آخرين من قيادات وكوادر جماعة الإخوان المسلمين. وهى رسالة واضحة من الجماعة إلى رموز السُلطة القضائية، أنها ليست بمنأى عن اليد الطويلة للإخوان المسلمين، بعد هُدنة طويلة تجاوزت ستين عاماً.

فقد كان آخر من اغتالهم الإخوان بسبب حُكم أصدره أحد القُضاة على إرهابيين من صفوفهم هو المستشار أحمد الخازندار، عام 1948، أي قبل 66 سنة، ثم اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمى النُقراشى في نهاية نفس العام 1948. وقد توقفوا عن مُمارسة اغتيال خصومهم السياسيين لفترة قصيرة، عادوا بعدها إلى نفس المُمارسة بمُحاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر، في ميدان المنشية بالإسكندرية في مُنتصف خمسينيات القرن الماضى، ثم مرة أخرى في مُنتصف الستينيات.

أي أن استخدام العُنف، بما في ذلك الاغتيال، هو جزء لا يتجزأ من فكر ومُمارسات الإخوان المسلمين، وكل من خرج من عباءتهم من جماعات جهادية أخرى. وهذا واضح بجلاء من شعارهم، وهو سيفان، وبداية الآية القرآنية الكريمة «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ»، التي أخذوها من سياقها الذي كان يعنى الكُفار والمُشركين في قريش في زمن الرسول محمد «صلى الله عليه وسلم». ولكن الإخوان، ومن لف لفّهم، يستخدمون العُنف ضد كل من لا ينتمى إلى جماعتهم، ولا يأتمر لهم بالسمع والطاعة، حتى من غيرهم من المسلمين. ولسان حالهم، هو أنه إذا لم تكن إخوانياً، فأنت لست مُسلمًا أو أن إسلامك ناقص، ولا يكتمل إلا بالانضمام للجماعة.

وهم يتبعون في ذلك سيرة الفتوح الأولى في صدر الإسلام، حيث كان أهل البُلدان التي يفتحها أو يغزوها المسلمون، يتم تخيير أهلها بين اعتناق الإسلام، أو دفع الجزية، أو السيف، أي القتل.

وتتعامل جماعة الإخوان المسلمين مع بقية المصريين من خارج جماعتهم، أي مع تسعين في المائة من أبناء مصر، كما لو كانوا رعايا بلد فتحوه بحد السيف. وهو ما يُفسر اغتيالهم مسؤولين حكوميين. وقد بدأوا تلك المُمارسة باغتيال ضباط الجيش والشُرطة. فهاتان المؤسستان هما ثنائى أركان الدولة. أما الركن الثالث وهو السُلطة القضائية، فإن رموزها من القُضاة والمستشارين، قد ظلوا إلى حين بمنأى عن عمليات الاغتيال طوال العقود الستة الأخيرة ـ أي منذ اغتيال المستشار الخازندار عام 1948، وإلى أن عادوا لنفس المُمارسة باغتيال ثلاثة من رجال النيابة بالعريش في مايو 2015. وبذلك تصبح حرب الإخوان شاملة ضد كل مؤسسات الدولة المصرية.

وكأى حرب شاملة فإن مواجهة الخصم ينبغى أن تكون بدورها شاملة. وشمول المواجهة في هذه الحالة لا بد أن يتجاوز تعبئة سُلطات الدولة الثلاث ـ التنفيذية والتشريعية والقضائية، ليشمل المجتمع كله.

فما الذي يعنيه تعبئة المجتمع كله في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية؟

جدير بالذكر، ومن مُنطلق إبراء الذمة، أن هذا الكاتب ظل طوال أكثر من نصف قرن يتحاشى وصف جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية. وكانت حيثياته في ذلك أن جماعة قوام أعضائها المُسجلين، والذين أقسموا يمين البيعة للمُرشد العام، وهم سبعمائة ألف (طبقًا للدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح) لا يمكن أن يكونوا جميعًا إرهابيين. فتعريف الإرهاب في العلم الاجتماعى، هو استخدام العُنف لتحقيق أهداف سياسية.

وبينما يلجأ أفراد، محسوبون على جماعة الإخوان، إلى العُنف ومن ثم فهم إرهابيون، فليس من العدالة أو الإنصاف أن ندمغ كل أعضاء الجماعة، أي حوالى المليون عضو بنفس الصفة الإرهابية.

ولكن مع المزيد من البحث والتقصى في فكر الجماعة، وتنشئة أعضائها، ومُمارسات هؤلاء الأعضاء، يتضح الآتى:

أولاً، أن عضوية الجماعة لا تتم ولا تستكمل، إلا بعد ثلاث مراحل مُتعاقبة، تنطوى كل مرحلة منها على اختبارات لياقة سلوكية، وهى 1ـ التقوى (المواظبة على أداء الفروض)، 2ـ قراءة أدبيات الجماعة من رسائل الإمام حسن البنا، إلى معالم الطريق لأهم مُفكرى الجماعة وهو سيد قُطب.

أما المرحلة الثانية، فهى أن يصبح المُرشح للعضوية نصيراً، يحضر اجتماعات الأسرة أي «الخلية» بانتظام، ويقوم بأداء مهام مُتدرجة للجماعة، وهى مرحلة السمع والطاعة العمياء للجماعة، من خلال مستوياتها التنظيمية الهرمية أو العنقودية. وباجتياز تلك المرحلة، يصبح المُرشح مؤهلًا للعضوية.

وفى المرحلة الثالثة والأخيرة، يقوم العضو بأداء قسم الولاء والسمع والطاعة للجماعة، من خلال مستوياتها التنظيمية التسلسلية، التي تنتهى بمكتب الإرشاد، والمُرشد العام للجماعة. وبذلك يصبح عضو الجماعة، وبخاصة من الشباب، بين العشرين والثلاثين من أعمارهم بمثابة الإنسان الآلى، الذي يتحرك بالتحكم عن بُعد (ريموت كنترول).

وفى حالة اغتيال القُضاة الثلاثة في العريش، ردًا مُباشرًا وسريعاً، على الأحكام التي صدرت على قيادات الإخوان، فإن الطريقة والتوقيت ينطويان على رسالة مزدوجة:

أولاهما، أن أفراد السُلطة القضائية لم يعودوا في منأى عن الانتقام المُباشر وغير المُباشر.

وثانيتهما، أن أيدى الإخوان طويلة، وحاضرة لتوجيه ضرباتها الانتقامية، لكل رموز الدولة بسُلطاتها الثلاث ـ التنفيذية والتشريعية والقضائية. أي أنه إعلان بالحرب الشاملة.

وفى ذلك المستوى الشامل، يكون مطلوبًا من المجتمع كله أن يخوض المعركة بجانب الدولة، ضد جماعة الإخوان، ومشتقاتها. ففى السنتين الأخيرتين (2013-2015) ظهرت جماعات عديدة بأسماء مختلفة. ولكن الشواهد تُشير إلى أنها جميعاً، خرجت من رحم الإخوان، وتحمل جيناتها، أو بذورها الجنينية، حتى إن ادعت غير ذلك وحملت أسماء أخرى (مثل بيت المقدس، أو أنصار الإسلام) لكى تهرب من المسؤولية الجنائية التي ربما تلازم الإخوان، أو للإيحاء بأن النُشطاء الإسلاميين كثيرون، يمتدون ويتوالدون. ولكن يثبت في معظم، إن لم يكن كل، حالات الضبط والإحضار، ثم التحقيق والإحالة والمُحاكمة، أنهم جميعًا يرجعون وينحدرون من نفس الجذور الإخوانية.

ولذلك يكون مطلوبًا اليقظة من كل أبناء المجتمع، وعلى كل تكويناته المُنظمة (من نقابات وجامعات وتنظيمات مدنية) أن يدعموا أجهزة الأمن وبقية سُلطات الدولة في حِصار، واحتواء، ومُقاومة كل صور التطرف الفكرى، أو التشدد السلوكى، فالتطرف الفكرى والتشدد السلوكى هما الوالدان الشرعيان للإرهاب والإرهابيين، على أن يتلو ذلك برنامج فكرى وحركى لإعادة تأهيل شباب الإخوان الذين غُرر بهم. ويستفاد في ذلك بخبرة القيادات التاريخية لتنظيمات الجهاد والجماعة الإسلامية مثل صبرة القاسمى، ونبيل نعيم، وحسن سُلطان، وعشرات غيرهم ممن تابوا وأنابوا.

اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد..

وعلى الله قصد السبيل.

semibrahim@gmail.com