الغزالى الذى جحده قومه

ناجح إبراهيم الخميس 28-05-2015 21:55

كان يردد دائما «ما زلت أؤكد أن العمل الصعب هو تغيير الشعوب.. أما تغيير الحكومات فإنه يقع تلقائيًا حينما تريد الشعوب ذلك».

ويقول: «الحياة المعاصرة لا تشكو من متوكلين لا يعملون وإنما تشكو من عاملين لا يتوكلون».

ويقول: «من السقوط أن يسخّر المرء مواهبه من أجل غاية تافهة ويواجه التدين المغشوش»..«إن وجهى ليسودُّ حينما أرى العمل يخرج من يد الكافر متقنًا مجودًا ويخرج من يد المسلم هزيلًا مشوهًا».

ويهتف فى الدعاة فى الدول الأجنبية «إننا لسنا مكلفين بنقل تقاليد عبس وذبيان إلى أمريكا وأستراليا وأوروبا لكننا مكلفون بنقل الإسلام وحسب».

ويناشد القوميين العرب «هناك معادلة يجب أن يحفظها كل عربى عن ظهر قلب: عرب- إسلام = صفر».

ويحارب جمود الفكر وتعطل العقول صائحًا: «لا أخشى على الإنسان الذى يفكر وإن ضل لأنه سيعود إلى الحق ولكنى أخشى على الإنسان الذى لا يفكر وإن اهتدى لأنه سيكون كالقشة فى مهب الريح».

ويستنكر تقديم أهل الثقة التافهين على أهل الكفاءة الذين لا سند لهم «الويل لأمة يقودها التافهون ويخزى فيها المخلصون والقادرون».

ويحارب الظلم الاجتماعى بقوله: «ظلم الأزواج للأزواج أعرق فى الإفساد وأعجل فى الإهلاك من ظلم الحكام لرعاياهم».

ويواجه الإلحاد هاتفًا «الإلحاد هو آفة نفسية وليس شبهة علمية».. ومعرفًا للملحدين بالله الرحيم الرؤوف الودود الغفور «البشر لن يجدوا أبر بهم ولا أحنى عليهم من الله عز وجل».

هكذا تكلم الشيخ محمد الغزالى.. وهكذا جرت الحكمة على لسانه.. وهكذا حارب على كل جبهات تخلف الأمة وحاول علاج كل أدوائها غير هياب.. وخاض المعركة تلو الأخرى متألقًا ورائعًا ومنصفًا وجامعًا فى خطابه بين الاتصال بالعصر والتفاعل معه.. والاغتراف من أصول الشريعة والعيش مع النص والمزج بينه وبين ومقاصده الكلية.

وهكذا مرت ذكرى الشيخ الغزالى على مصر فى صمت مريب فى الوقت الذى تقوم فيه الدنيا ولا تقعد فى ذكرى الراقصات أو التافهين والتافهات الذين لم يقدموا لأنفسهم ولا دينهم ولا وطنهم شيئًا.

فالغزالى يعد أعظم المفكرين الإسلاميين، فقد ملأ الأرض علمًا وفكرًا وسبقًا لعصره وزمانه.. والذى لم يذكره الإعلام ولا الصحافة بكلمة واحدة أو مقال يتيم أو حتى عرض مبسط لفكره.. أو يحظى بالفتات من حظوظ الراقصات ولاعبى الكرة التى تملأ الشاشات.

أما الحركة الإسلامية فقد جحده معظمها فلم تقرر شيئًا من كتبه على أبنائها فزادتهم ضياعًا فوق ضياعهم.. ولم تقدره قدره ولم تستفد من فكره وعبقريته الدعوية أو تجعله من قاماتها الفكرية.. وقدمت معظم الحركات الإسلامية التنظيميين الذين لا يجاوز همهم وعقلهم سوى زيادة أعداد المنضوين للتنظيم على أمثال الغزالى وفكره.. والرجل لم يجد نفسه فى جماعة الإخوان فانفصل عنها فأبدع وأفاد وملأ الدنيا كلها علمًا ودعوة.. فالتنظيمات تقتل الفكر والمفكرين، حيث تريد أن تضعهم فى قالبها الضيق فإذا تركوها غردوا فى ساحات الدعوة الفسيحة.

أما الدولة المصرية فلم تعر الغزالى اهتمامًا.. فى الوقت الذى حصل فيه مع قلائل مصريين على جائزة فيصل العالمية.. وأصابه ما أصاب العقاد، رحمه الله، حينما لام على الحكومة إهمالها لعلاجه فقال «هل هناك أمة عاقلة تبخل على كاتبها الشرق الأول بستين جنيهًا كأجر لجراحة فى عينه؟».

إن مما يؤسفنى أنه يراد للشباب المصرى الآن أن يعرف عن الراقصات ولاعبى الكرة أكثر مما يعرف عن سعد زغلول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد ومحمد عبده ومصطفى كامل ومحمد فريد والعقاد والمازنى والمراغى وعبدالحليم محمود والغزالى وحسنين مخلوف وغيرهم من الأعلام.. رحم الله هؤلاء جميعًا.. ورحم الله الغزالى وكل من دافع عن الإسلام والأوطان