مصر الحال والأحوال.. وفكرة الأهلى والزمالك

عبد الرحيم كمال الأربعاء 27-05-2015 21:41

لابد أن يكون هناك ثنائى وجمهوران، إما أن تكون أهلاوى، وإما انت تكون زملكاوى، وجمهور عبدالحليم غير جمهور فريد الأطرش، وعليك أن تختار بين محمد منير وعمرو دياب وأن تعلنها صراحة هل أنت من دراويش الست أم كلثوم وأحبابها أم أنك من الهائمين فى صوت الست فيروز وهل ترى أن التمثيل النسائى هو فاتن حمامة بمدرستها الرصينة أم أنه هو سعاد حسنى بتلقائيتها وهكذا دائما نحن بين خيارين فى كل شىء وعليك أن تنحاز وتعلن انحيازك هذا بكل وضوح.

وكأنه شىء يتنافى مثلا مع الذوق الفنى أن تعجبك فاتن وسعاد معا وعليك أن تستمع فقط لفيروز وتعتزل صوت أم كلثوم حتى لا تنتسب إلى طبقة ذوقية محددة، وإن كنت من جمهور منير فحاشا لله أن تكون من جمهور عمرو دياب، ومن يصفق لعبدالحليم حافظ لا يطربه فريد الأطرش وانقسمت الأذواق وتحزبت حتى صرنا نجلس بالمئات فى المقاهى نصفنا يشجع برشلونة والنصف الآخر يشجع ريال مدريد.

إنها فكرة قديمة ومثل قديم يطرح فكرة أننا نقسم البلد نصفين لماذا علينا أن ننحاز وننكر الذوق الآخر ويظهر بيننا النوع المتذاكى والذى ينتمى إلى ذوق معين يخبئه حين يكتشف أن الشخص الذى يشاركه الحوار ينتمى إلى ذوق آخر فينكر الزملكاوى أنه زملكاوى إذا ركب تاكسى واكتشف أن السائق أهلاوى لدرجة الشراسة وينكر الكلثومى كلثوميته إذا التقى بفيروزى متأنق، وحتى فى السياسة صرنا ندعى الفلولية مع سائق التاكسى المترحم على أيام العهد البائد حتى يرحم المواطن المتعاطف معه فى نهاية المشوار ولا يدير له أسطوانة الفقر والمستشفيات المكررة أو يذهب موظف غلبان لطلب العمل فى شركة يملكها إخوانى أو متعاطف فيجد نفسه يهز رأسه غصبا حينما ينفتح الحوار عن المظلومية التى طالت أولئك الصالحين الأتقياء والموظف يوافق بامتعاض وهو يسب فى سره للشركة ولصاحبها وللمظلومية ومن صنعها ويهم أن يصرخ فيه أن وجهة نظره غير ذلك تماما لكنه يجد نفسه تحت وطأة البحث عن عمل يهز رأسه منافقا موافقا، وستجد المواطن المفتون بجيش بلاده والمدافع عنه بقوة وشراسة وعقيدة تجعله يكاد يمسك خناق المواطن الآخر المفتون بالمدنية وجمالها وحرياتها وستجد بينهما أيضا الغامض غير المفصح عن هويته الذى فى لحظة ما هو ابن هذا الوطن والمحافظ على ثوابته والداعم لاستقراره والداعى للحاكم والحكومة ليل نهار وهو نفسه فى لحظة أخرى المعارض العتيد والرافض العتويل،

صار هناك أهلى وزمالك ونوع ثالث من المشجعين هم المتظاهرون بما لا ينتمون إليه وضاعت الحقيقة، فإذا كان الحكم هو عنوان الحقيقة فى الأدبيات القضائية فإن الناس ومواقفها هى عنوان المجتمع، الفكرة ليست فى انتمائك للنادى الأهلى وتشجيعه ولكن أن يدفعك ذلك الانتماء إلى التفكير فى غياب الزمالك وانعدام وجوده فهذا عيب، وليس عيباً على الإطلاق أن تكون زملكاويا مخلصا عاشقا لناديك ولكن دون أن تسعى لخراب النادى المنافس، والخراب يأتى من ظهور الفئة الثالثة فى كل شىء، فى الرياضة والسياسة والفن والإعلام. الفئة التى لا تستطيع أن تحدد صدق هويتها من كلامها فأنت أمام أهلاوى مختبئ فى صورة زملكاوى، وزملكاوى يقابلك بفانلة حمراء. أنت أمام إرهابى يتحدث عن الليبرالية ويسارى يقنعك بجمال الرأسمالية. أنت أمام ثلاثة فرق مربكة فريقان متعصبان لما يعتقدان وفريق ثالث يلعب بهما وعليك أنت أن تتابع الكرة فى ذلك الملعب المجنون.

ليس لك أن تسمع فيروز صباحا وأم كلثوم مساء وليس لك كزملكاوى أن تعجب بهدف ساحر لمحمود الخطيب مثلا أو تعجبك فاتن حمامة وسعاد حسنى معا، عليك أن تظل على الشاطئ الساخن أو تكون من الفريق الثالث الذى لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء لكنه أيضا ينتمى لنفسه فقط….

إنها اللعبة الخطر أن يكون هناك فصل حاد فى الذوق يخلق ذوقا ثالثا هو الذوق المنافق واختبأ هذا الذوق فى مسميات كثيرة يسمى نفسه تارة السينما النظيفة مثلا فستجد فيلما خاليا من المشاهد الجنسية ومليئا بالذوق الردىء والألفاظ النابية والثقافة المنحطة والأخلاقيات المعكوسة، هذا النفاق الفنى ظهر فى السينما حينما احتد الذوق وفصل فصلا تعسفيا بين الفيلم الراقى والفيلم الشعبى فصار هذا للمهرجانات وفق تعبير عوام السينما وهذا للشعبيين والسوقة وفق تعبير عوام المثقفين، وغاب فى النهاية الفيلم نفسه وأخذت دول أقل من مصر فى التاريخ السينمائى الجوائز والاحترام، إنه الذوق الثالث المنافق الذى ينمو بيننا على مساحة الحد الوهمى الفاصل بين كل ذوقين يهدد الجميع ويجعلك ترى المتسخ نظيفا والنظيف متسخا.