«الداخل مفقود والخارج مولود».. هذا هو الوصف الأقرب لأقسام الشرطة في الشهور الأخيرة، ومع تولي اللواء مجدي عبدالغفار، وزراة الداخلية، في مارس الماضي، خلفًا للوزير السابق اللواء محمد إبراهيم، ارتفع عدد المتوفين بين المحبوسين داخل الأقسام، وتنوعت الأسباب ما بين إهمال في العلاج، وانعدام النظافة داخل غرف الحجز، والتقصير في تأمين المحبوسين.
قسم الهرم
في مارس الماضي، توفى حسين محمود عبدالوهاب عبدالمولى، داخل قسم شرطة الهرم، بعد القبض عليه في مطاردة أمنية للاشتباه به، بعد محاولته الهرب من أفراد كمين أمني على طريق «القاهرة – الفيوم» الصحراوي.
وأفادت التحقيقات، أن قوات كمين أمنى على طريق «القاهرة- الفيوم» الصحراوى، اشتبهت في المتهم فحاولت استيقافه لتفتيشه، لكنه حاول الهروب، فطاردته القوات حتى دخل محل «جزارة»، وابتلع لفافة من مخدر الحشيش، وباقتياده إلى القسم، لقى مصرعه جراء اللفافة التي ابتلعها.
وتجمهرت أسرة الضحية، حول المستشفى، وقسم الشرطة، متهمة قوات الأمن بتعذيبه.
واستمعت النيابة إلى أقوال الضابط قائد الكمين، الذي نفى تعذيب المتوفى، وقال إنه طارده للاشتباه فيه، وشاهده يدخل محل جزارة، وابتلع جسمًا غريبًا أثناء ضبطه، وتم نقله إلى قسم شرطة الهرم، لكن خلال قرابة 30 دقيقة من وصول المتهم للقسم دخل في حالة إعياء وفقد الوعى.
واستمعت النيابة إلى مالكة محل الجزارة، التي أكدت أقوال الضابط، وقالت إن المتوفى حاول الاختباء من الشرطة داخل المحل، وأثناء القبض عليه ابتلع جسماً غريباً، واقتادته قوات الأمن داخل سيارة «بوكس» إلى القسم.
قسم بولاق الدكرور
وفي الثامن من أبريل، لفظ محتجز بقسم شرطة بولاق الدكرور، أنفاسه الأخيرة، إثر إصابته بنوبة قلبية.
وأمر المستشار محمد يونس، مدير نيابة بولاق الدكرور، بانتداب الطب الشرعي، لتوقيع الكشف على جثة المحتجز، وعرض التقرير على النيابة، وأكد التقرير المبدئى لمناظرة نيابة بولاق الدكرور عدم وجود أي شبهات جنائية أو آثار تعذيب أو ضرب على جثة السجين.
انعدام النظافة بـ«مصر القديمة»
وعقب 10 أيام من هذه الواقعة، فارق سجين احتياطى، الحياة داخل حجز قسم شرطة مصر القديمة، وتبين أن الوفاة جاءت نتيجة هبوط حاد في الدورة الدموية.
وقال عدد من المحتجزين إن المتهم كان يعانى قبل الواقعة بيوم من حالة إعياء شديدة، وتم نقله إلى مستشفى قصر العينى للعلاج، وعقب عودته استلقى، وعندما حاولوا تنبيهه تبين أنه فارق الحياة. وبمعاينة الحجز تبين أن عدد المحتجزين يفوق سعة الحجز، حيث يتسع الحجز لـ١٢٠ شخصًا، بينما يتواجد بداخله ٣٨٠ متهمًا.
وقبل تلك الواقعة بيومين فقط، وفي نفس القسم، فارق متهم محبوس احتياطيًا على ذمة قضية جنائية الحياة، عقب 10 أيام من ضبطه وبحوزته كمية من مخدر الحشيش في منطقة عزبة خير الله.
وجاء في تقرير اللجنة الطيبة المشكلة من الطب الوقائي للتفتيش على حجز القسم، أن غرف الحجز ﻻ يوجد بها تكييفات وشفطات الهواء معطلة، ودورات المياه صغيرة، والنظافة منعدمة.
وفي نفس الشهر، توفى مسجل أثناء احتجازه على ذمة قضية اتجار بالمواد المخدرة، بقسم شرطة المنشية بالإسكندرية، وبمناظرة الجثة، تبين عدم وجود أي إصابات بها، وهو ما أكده عدد من المحتجزين مع الضحية.
مشاجرة في «شبرا الخيمة»
وفي أبريل أيضًا، لقى سجين مصرعه، بحجز قسم أول شبرا الخيمة بالقليوبية، إثر مشاجرة بينه وبين سجين آخر، أسفرت عن إصابته بجرح قطعي في الرقبة، أدت إلى وفاته.
تلقى اللواء محمود يسري، مدير أمن القليوبية، إخطارًا بنشوب مشاجرة بين المساجين داخل حجز قسم أول شبرا الخيمة، أسفرت عن إصابة المدعو خالد سمير، الشهير بـ«ولعة»، وتم نقله إلى مستشفى النيل للعلاج، حيث مكث المجني عليه في المستشفى لمدة أسبوع، وبعدها تمت إعادته مرة أخرى إلى الحجز، ولكنه أصيب بإعياء شديد مرة أخرى، وتم نقله إلى المستشفى حيث توفي متأثرًا بإصابته.
وفي 22 مايو الجاري، توفى متهم محبوس على ذمة قضية أحداث اقتحام قسم شرطة مطاي بالمنيا، داخل سجن «شديد الحراسة».
وقال تقرير مفتش الصحة، إن المتوفى، محمد علاء خليفة، «22 سنة»، كان مريضًا بالربو، ويتلقى علاجًا داخل السجن، ولا توجد شبهة جنائية في الوفاة.
صعق بالكهرباء في «إمبابة»
عقب الواقعة بـ4 أيام، توفى محتجز داخل ديوان عام قسم شرطة إمبابة، إثر صعقه بالكهرباء، وقالت التحقيقات الأولية، إن المتوفى كان يقضى فترة شهرين لتنفيذ حكم قضائي، في قضية تبديد شيكات.
وأمرت نيابة إمبابة بشمال الجيزة، بتشريح جثمان المتوفى، ويُدعى «سامح. ا»، كهربائي سيارات، «31 سنة»، بمعرفة خبراء الطب الشرعي للوقوف على أسباب وفاته، والتأكد من عدم وجود شبة جنائية، وأصرت النيابة على قرارها رغم رفض أهل المتوفى التشريح.
وذكرت تحقيقات النيابة برئاسة المستشار علاء سمير، أن «سامح» صُعق داخل مقر حجزه الاحتياطي بالقسم، إثر لمس أسلاك كهربائية، كانت متدلية من جهاز تكييف، ونقل على إثر ذلك إلى مستشفى إمبابة العام، وكان قد لفظ أنفاسه الأخيرة، وشاهد تلك الواقعة، زملائه المسجونين، وأخطروا قيادات القسم بما جرى، وأجرى معاون الضبط بالقسم بإجراء تفيش بحجرة الحجز، ولم يعثر على أي أدوات داخله، يمكن أن يصلها المتوفي بأسلاك الكهرباء.
وأمرت النيابة باستخراج عدد من المسجونين لسماع إفادتهم حول الواقعة، وقال بعضهم إن «سامح» كان يحاول تشغيل جهاز التكييف، فصعق جراء ذلك، بينما أشار فريق آخر إلى أن المتوفى حاول أخذ «وصلة» من أسلاك الكهرباء لتوصيلها بـ«كاتل» لإعداد كوب شاى، لكنه صعق، واصطدم بالحائط.
القومي لحقوق الإنسان يؤكد التعذيب
كان وفد من المجلس القومي لحقوق الإنسان، زار سجن أبوزعبل 2، أواخر مارس الماضي، لتفقد أوضاع السجن وأحوال السجناء، وقال إنه شاهد آثار ضرب بالعصىّ على أجساد بعض نزلاء سجن أبوزعبل،
وقال الدكتور صلاح سلام، عضو المجلس، إن الوفد التقى بالمصور الصحفى أحمد جمال زيادة، و٤ سجناء آخرين، وشاهد آثار تعذيب، ووفقاً لشهادتهم تم التنكيل بآخرين.
وأكد المجلس في تقرير مبدئى له عن الزيارة التي لم تستغرق سوى ساعة ونصف، صدر فور انتهائها أنها انحصرت على لقاء 4 من السجناء حول البلاغات المقدمة إلى مكتب النائب العام بخصوص تعرضهم للضرب والاعتداء والإهانة والتعذيب.
وخلصت شهادة النزلاء إلى عدم تطبيق مواد لائحة السجون الجديدة فيما يتعلق بالزيارة ومدتها، والتريض ومدته وأماكنه، وأن إدارة السجن اتخذت عددا من الإجراءات التأديبية تجاه السجناء الأربعة بوضعهم في غرف التأديب لفترات تتراوح ما بين أسبوع حتى 16 يوما، وفى ظروف غير إنسانية تمثلت في عدم إمكانية قضاء حاجتهم، وقلة ورداءة الطعام المقدم، وتقديم مياه شرب غير صالحة لهم، وعدم وجود تهوية. كما ناظر الوفد السجناء الأربعة وتبين وجود آثار ضرب على أحدهم، وتبين للوفد خلال استماعه للشهادات وجود حالة من الذعر والخوف الشديد لديهم وأكدوا تعرضهم للتهديد بطريقة غير مباشرة من القائمين على إدارة السجن في حالة الإفصاح عما حدث إلى وفد المجلس.