إعادة طرح الأسئلة البسيطة

ضياء رشوان الثلاثاء 26-05-2015 21:50

حينما كان الرئيس المعزول محمد مرسى فى الأيام الأخيرة من شهر يونيو 2013 يرفض الاعتراف بوجود تمرد واسع على حكمه وجماعته فى مختلف أوساط الشعب المصرى ويصر على رفض المبادرة تلو الأخرى، للحيلولة دون وصول البلاد إلى ما وصلت إليه فى 30 يونيو، ثم 3 يوليو، بدا أن هناك أسئلة بسيطة وبديهية لم ترد على ذهنه ولا أذهان قيادات جماعة الإخوان، كانت إجاباتها الحقيقية كفيلة بتغيير مسار الأوضاع فى البلاد.

فبعد خروج الملايين منذ يوم 28 يونيو، وبعدهم الموقف الحاسم الذى اتخذته القوات المسلحة ووزارة الداخلية وقوات الحرس الجمهورى فى دعم المطالب الشعبية بانتخابات رئاسية مبكرة، كان السؤال البسيط والبديهى والأخطر هو: كيف سيحكم الرئيس المعزول البلاد فى حالة استمراره فى رئاستها؟ أى سلطات فى الدولة، وناهيك عن الشعب الرافض له بأغلبية كبيرة، سوف تخضع لقرارات الرئيس وإجراءاته على جميع الأصعدة، وبخاصة العسكرية والأمنية؟، بل إن السؤال الأبسط والأكثر دلالة هو: من سيحمى الرئيس فى مقرى إقامته وحكمه، ومن سيديرهما بعد تمرد ورفض أجهزة الدولة فيهما العمل معه والمطالبة برحيله؟

والإجابة التى رفض الرئيس المعزول وجماعته طرحها علناً لهذه الأسئلة البسيطة تبدو أيضاً بسيطة ومعروفة لديه ولدى قيادة الجماعة: ستحل الجماعة بتشكيلاتها التنظيمية محل أجهزة الدولة فى كل مكان من البلاد، بينما سيحل أعضاء الجماعة وحلفاؤهم من المجموعات الإسلامية وبعض مناصريهم من طوائف الشعب محل الشعب كله، لتتحول مصر الدولة والمجتمع إلى كيان تنظيمى يقوده مكتب إرشاد الجماعة. وربما كان الإدراك الخاطئ لدى الرئيس المعزول وجماعته لحقيقة وحجم التمرد الشعبى والرسمى على حكمهما، ومعه التقدير المبالغ فيه لقوة الجماعة وحلفائها وشعبيتهم فى المجتمع المصرى، هما السبب وراء تورط قيادة الجماعة فى الإصرار على المضى فى تحدى إرادة أغلبية الشعب والدولة قبل وبعد 30 يونيو.

والحديث اليوم عن تلك المعانى ليس مقصوداً به التأريخ لما جرى فى البلاد قبل عامين ولاتزال آثاره تتابع عليها إيجاباً وسلباً، ولكن القصد الحقيقى هو إعادة طرح نفس تلك الأسئلة بصياغات معدلة قليلاً فى السياق الحالى وبعد عام من انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيساً للبلاد. فبغض النظر عن كل ما جرى خلال هذا العام من تطورات وتقويمها الذى يمكن أن يتم فى موضع آخر، فإن الخلاصة هى أن الحكم الحالى فى مصر لايزال يحتفظ بقدر كاف من الشرعية الشعبية والتأييد من مختلف أجهزة الدولة لاستمراره بالرغم من بعض السياسات والوقائع التى مستهما سلبياً. وعلى الجانب الآخر فقد شهد العامان المنصرمان تغيراً نوعياً فى أداء جماعة الإخوان وحلفائها وأنصارها نحو العنف والإرهاب، الأمر الذى خلق حالة إضافية من التخوف الشعبى منهم وخصم كثيراً مما كان لهم من تأييد فى بعض الأوساط الاجتماعية.

والأسئلة البسيطة العميقة التى يجب على الإخوان وحلفائهم طرحها على أنفسهم اليوم هى نفسها أسئلة ما قبل العامين. فإذا كانوا يتحدثون عن بقاء الدولة العميقة بأجنحتها العسكرية والأمنية والإدارية ضدهم على حالها بل وأكثر، فبمن سوف يحكمون البلاد فى حالة عودتهم المستحيلة؟ وبعد العداء الصارخ والاعتداءات الإرهابية التى مارسوها على مختلف القوى السياسية، بما فيها الإسلامية مثل حزب النور، فهل سيحكمون مصر وحدهم ومعهم المجموعات الصغيرة والأفراد القلائل ممن تورطوا معهم خلال هذين العامين فى تلك الممارسات؟ وهل سيحل تنظيم الجماعة وحلفاؤها محل أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والإدارية، وتتحول الدولة المصرية إلى دولة التنظيم والميليشيات والمكاتب الإدارية والشعب الإخوانية؟

إن الأسئلة البسيطة السابقة اليوم وقبل عامين تؤكد أن عودة الإخوان إلى حكم مصر ليست فقط مستحيلة، بل إن مجرد السعى إليها يعنى الإصرار على إنهاء وجود الدولة والمجتمع فى مصر بعد آلاف السنين من وجودهما وتحويلهما إلى كيان تنظيمى تابع لجماعة لم يتعد عمرها الخامسة والثمانين من السنين. وربما تكون هذه الأسئلة البسيطة البديهية مدخلاً للإفاقة من أحلام يقظة أو أوهام قوة أو مشاعر انتقام وثأر تسيطر على قيادة الجماعة وبعض من مستوياتها التنظيمية وعضويتها، والعودة إلى الواقع الذى يمكن عندها طرح سيناريوهات مختلفة ومعقولة للتعامل معه.

diaarashwan@gmail.com