حماس ومصر: رؤية فلسطينية

حلمي النمنم الثلاثاء 26-05-2015 21:50

كنا مجموعة من المثقفين العرب، التقينا قبل حوالى أسبوعين، وكانت المناسبة - 15 مايو - ذكرى إعلان قيام دولة إسرائيل سنة 1948 على جزء كبير من أرض فلسطين، فيما عـرف عربيًا باسـم «عام النكبة»، وكان بيننا ثلاثة من الأصدقاء الفلسطينيين، بينهم المبدع والمثقف، وكذلك المنخرط فى العملية السياسية، بخلفية ثقافية وفكرية عميقة.

تحدثت، أنا، عن تاريخ المشروع الصهيونى، الذى بدأ تنفيذه، على أرض فلسطين منذ منتصف القرن التاسع عشر، والمساندة الأوروبية ثم الأمريكية والسوفيتية لقيام دولة إسرائيل وضمان تفوقها العسكرى على كل دول الجوار، بما يمنع أى تهديد جدى لوجودها، فى تبلور المشروع الصهيونى كانت سيناء حاضرة فى التخطيط والتفكير لتكون الحديقة الخلفية لهذا المشروع، حيث يتم نفى الفلسطينيين من المناطق التى تحتلها إسرائيل إلى غزة وإلى جزء من شمال سيناء، يمتد حتى العريش، يلحق بها، لتكون ولاية وليس دولة، يتم بها إنهاء المشكلة الفلسطينية، ومن ثم لا تكون هناك عقبات أمام مستقبل إسرائيل.

من خططوا لإنشاء إسرائيل أدركوا أنها دولة تقوم على أساطير دينية، ومن ثم كان لابد من السماح بقيام دولة أو أكثر داخل المنطقة على هذا النمط، وإنشاء تنظيمات تتبنى نفس الفكرة، أى إقامة دولة على أسس دينية، مثل جماعة الإخوان وتوابعها من أنصار بيت المقدس وداعش، ولهذا لم يكن غريبًا أن توافق الأمم المتحدة سنة 1947 على تقسيم الهند لتكون باكستان دولة للمسلمين بالأساس، وتقسيم فلسطين لتقوم إسرائيل دولة لليهود أيضًا، ولم يكن غريبًا، كذلك أن نجد الوئام بين محمد مرسى وهو رئيس للجمهورية وسائر إخوانه خاصًة عصام العريان ودولة إسرائيل.

وانطلق أحد الأصدقاء الفلسطينيين ليؤكد ما تم تداوله إعلاميًا فى الأسابيع الأخيرة عن مباحثات سرية بين حماس وإسرائيل برعاية أردوغانية لإلحاق جزء من سيناء بغزة، وهو المشروع الذى عمل عليه محمد مرسى وخيرت الشاطر مع قيادات حماس، أثناء حكم الإخوان لمصر.

أبديت دهشتى من أن قيادة حماس لا تزال سادرة فى هذا المشروع التآمرى، أتفهم موقف أردوغان، هو يريد إضعاف دول المنطقة، خاصة سوريا ومصر، ومن ثم يسهل عليه التحكم بهما وتمرير مشروعه العثمانى، لكن غير المفهوم موقف قيادات حماس، سواء من سيناء أو من القضية الفلسطينية برمتها وإصرارهم على أن يخسروا الشعب المصرى.

وانبرى صديقنا الفلسطينى (السياسى) وهو من المقيمين داخل فلسطين، ليشرح لنا أن قيادة حماس تتصرف وفق فكرة راسخة لديهم، مؤداها أن الرئيس عبدالفتاح السيسى، لن يظل فى الرئاسة أكثر من عام، شأنه فى ذلك شأن محمد مرسى، وأنه سوف تقوم هبة شعبية تزيح السيسى، ويعود الإخوان إلى الحكم من جديد، وحتى لو لم يحكموا سيكون لهم النصيب الأكبر من السلطة، ومن ثم فهم – أى قادة حماس- لا يتوانون عن إعلان انحيازهم المطلق للإخوان، وانشغالهم بالشأن المصرى، أكثر من الشأن الفلسطينى، وأن مشروع إلحاق جزء من سيناء بغزة لإنشاء «غزة الكبرى» هو الذى يسيطر عليهم ويعملون على تحقيقه!!

لنتذكر أن السيد أردوغان كان يحاول التودد إلى رئيس مصر الأسبق حسنى مبارك، وزار مصر أثناء رئاسة مبارك، وأسيئت معاملته رسميًا، ومع ذلك لم يغضب ولم يحتج، وابتلع الإساءة ومضى، ثم جاءت ثورة 25 يناير، فركب موجتها متصورًا أنه سيحكم مصر ويمرر مشروعه العثمانى من خلال الإخوان، وكان أن صُدم يوم 30 يونيو 2013، بخروج عشرات الملايين من المصريين إلى الشوارع، ليزيحوا الإخوان من حكم مصر.

هناك من يراهن على ألا يستمر حاكم مصرى أكثر من عام، وإن بقى يظل مهزوزًا وضعيفًا، خائفًا ومترددًا، ينشغل بحماية نفسه وحكمه عن أى شىء آخر، ليست المشكلة فى هؤلاء، بل أظنهم كانوا موجودين طوال الوقت، ومع كل رئيس، كانوا موجودين فى ظل حكم عبد الناصر، وكانوا أكثر قوة وأشد شرًا، كما كانوا موجودين زمن السادات، المشكلة ليست فى هؤلاء، الذين يقبعون خارج الحدود، المشكلة فى أن يكون بيننا داخل مصر من يفكر ويسلك على هذا النحو، ويحاول أن يجعله قاعدة للحكم فى مصر.