حديث «الشطافة»!

يسري الفخراني الثلاثاء 26-05-2015 21:49

إذا لم تكن من هناك، من العالم الافتراضى الذى يضم متسعًا من صفحات التواصل الاجتماعى، فربما لم تسمع بحديث (الشطافة)! موقع إخبارى هزلى ساخر مجهول أطلق خبرا أن وزارة الرى سوف تجرّم استخدام شطافة الحمام، يتابع الخبر نقلا عن مصدر موثوق به: يدفع من يخالف القرار، ويستخدم الشطافة بعد كل مرة ألف جنيه غرامة أو الحبس، ثم يضيف المحرر: الشطافة تستهلك حوالى ربع الماء الحلو المنتج فى مصر سنويا!

قضى المصريون 24 ساعة يتناقلون خبر (الشطافة) بجدية تصل إلى حد الهزل، وهذار يصل إلى حالة الجدية، يوم فى حياتنا ومن حياتنا حول خبر غير صحيح، يمكن أن تعرف ذلك من الوهلة الأولى، حيث ينشر المحرر تفاصيل عن (كبسة على الحمامات فى البيوت للقبض على المخالفين)، مع ذلك بقى (الهرى) يوما كاملا لم ينافسه (هرى) إلا خبر القبض على بطلة (سيب إيدك) مصاحبة بـ14 قضية آداب!

أهلا بكم فى مصر، 24 مليون مستخدم لصفحات التواصل الاجتماعى، صفحات بعضها يضم نخبة العقول، لم ينج منها إلا القليل من هرى هذه الملفات المهمة، ما بين الشطاف وراقصة الآداب الأولى!

لا أعرف لمن أوجه عتابا: لأجهزة أمنية ربما تكون قدرت أن تسريب هذا النوع من الأخبار المسلى الخفيف يناسب عقول الشعب المرهقة، فلا يكون هناك مجال لتفكير فيما هو مهم، ولو من باب الرقى فى الرغى والحوار.. أم لأجهزة تجسس تعمل بفريق ماهر تقرأ طالع المواطن المصرى المستهلك للتواصل، فتلقى له كل يوم كذبة، خدعة، نكتة، صورة، ينغمس فيها حتى مطلع الفجر؟!

فى كل حال، المستهلك نفسه يمثل لغزا، كيف وصل إلى هذا القاع؟ صفحات التواصل الاجتماعى لم تخلق لكى نناقش عليها أمورا فلسفية أو قضايا معقدة أو نرسم وشوشا مكشرة، لكنها بالتأكيد لم تخلق لكى نسقط إلى هذا القاع من التفاهة والانحدار والإهمال!

(شطافة)؟ قضية اليوم؟ (الراقصة والشطافة) وغدا أخبار أخرى أكثر تفاهة وأكثر سقوطا، مع أن الدولة الذكية لا يجب أن تتعامل مع مواطنها الذى تأمل أن يحمل معها هم المستقبل.. بطريقة (لا سحر ولا شعوذة)، ألق له أخبارا تافهة لكى ينساق، ويتسق مع واقع نريده تافها، الدولة التى تعرف أن العتبة التالية لا محالة (عتبة الخريف العربى) وليس (العتبة الخضراء)، بعد فشل عتبات الربيع العربى، يجب ألا نكرر أخطاء الماضى، بالعكس أن تستغل كل ثانية لكى تعلم المواطن الجدية والاحتياط والاستعداد للمواجهة.

نحن فى حال حرب، من لا يرى ذلك جاهل لا شك، رئيس الدولة يقولها فى كل مناسبة، وهى ترى بدون أن يقول، والمنطقة كلها مشتعلة اشتعالا ذاتيا، والإرهاب فى كل مكان، والعدو لم يعد فقط أمامنا ولا خلفنا، إنما حولنا، والملفات الأمريكية للمنطقة أجلت للتعديل، ولم توضع فى مفرمة الورق للإلغاء، فكيف لا ننتبه لأهمية أن (الهرى الكاذب) سوف يجعل العقول أكثر هشاشة مما هى عليه.

لا يمر يوم دون ترامادول التواصل الاجتماعى الذى يجعل اليوم يمر دون آلام التفكير فى حلول لمشاكلنا أو قضايانا، يتبعها غيبوبة أكثر قسوة أمام الشاشة فى منتصف الليل مع برامج تتراوح فى المنافسة بين قضايا الآداب وقصص التحول الجنسى والمخدرات والدجل!

سوف أتوجه بسؤال مباشر إلى السيد رئيس الجمهورية، معتمدا ليس فقط على مسؤوليته، إنما وطنيته التى لا أشك لحظة فيها: هل أنت راضٍ يا فخامة الرئيس عما يحدث من ترويع وتفريغ عقول المصريين؟ إذا كان جهاز أمنى يفرض رؤية إعلامية يمررها حاسبه لأنك تملك ولأنه يحرج موقفك ويقوض قوة شعبك وهيبة شعبيتك؟ إذا كان إعلام- رأيت أن الحرية من حقه- فأين مواثيق الشرف الصحفى التى وعدت التى تجعل الإعلام على قدر المسؤولية فى المرحلة الصعبة التى نمر بها؟

أرجوحة العقول أسلوب مضى، عفا الزمن على أخبار البقرة التى تتكلم والشجرة التى تبكى، كما نأمل فى وطن قوى يجب أن يعتمد أسلوبا يجعل العقول أكثر نضجا، ملفات (الهرى) مسيرها إلى النفايات فى اليوم ذاته، لكنها ترسب فى العقل تناحة ورضوخا وإهمالا وسذاجة، هل تبنى الشعوب بالتفاهات؟ هل تحارب بالمضى قدما نحو تأليف كل ما هو سطحى؟ هل سيوف النبلاء والفرسان أصبحت صفيحا صدِئا؟ هل يمكن أن نسمو بإعلام غبى، وتواصل تافه قبيح وفن ردىء؟

لا أعتقد أن هناك مسؤولا مرتاح الضمير يقبل أن يسود صدره كل هذه الأفكار والصور التى تجعلنا، نفقد إحساسنا وكرامتنا وضمائرنا يوما بعد يوم.

أين قانون: من أين لك هذا الكم من الكذب؟ يحاكم به كل الكذابين والأفاكين الذين يشوهون مرحلة ويكتبونها بأسوأ ما يمكن أن توصف فى التاريخ؟!