أثارت قصة حظر تصوير جلسات المحاكمات جدلاً كبيراً بين رجال القانون والإعلاميين، البعض يراها إخلالاً بحق المجتمع فى المعرفة بسير التحقيقات فى المحاكمات، فى حين يرى القضاة أنه لا يجوز أن يتعامل القاضى والمحامى والشاهد داخل القاعة كأنهم فى «تمثيلية» تسجل وتذاع، فى حين طالب الحقوقيون بضرورة رفض الفكرة من أساسها، لأن الأصل فى المحاكمات هو العلانية، ولا يجوز حرمان المجتمع من حقه فى متابعة قضية معينة تكون مثار حديث فى الصحف والمجلات، «المصرى اليوم» رصدت ردود الأفعال حول البيان الذى أصدره مجلس القضاء الأعلى وفى طريقه لاستصدار قرار قريبا. فى البداية قال المستشار محمد عيد سالم، الأمين العام للمجلس الأعلى للقضاء، إن المجلس يدرس اقتراح حظر التصوير داخل المحاكم، وفى طريقه لإصدار قرار بمنع التصوير قريبا.
وأضاف أنه يؤيد حظر التصوير داخل المحاكم، مشيرا إلى أن التصوير بكاميرات التليفزيون يؤثر على القاضى والمحامى والشاهد، الذين يهتمون بالظهور أمام الكاميرا بمظهر حسن، بدلا من أن يكون تركيز الجميع فى الدعوى المنظورة أمام القضاء لتحقيق العدالة، والبحث فى القضية.
وأوضح أن التصوير داخل المحاكم يؤثر على تصرفات الجميع، فقد تشعر أن هناك من يستعرض أمام الكاميرا، ويضبط ملابسه، ويهتم بظهوره أكثر من اهتمامه بالدفاع عن المتهم، وقد يتأثر الجميع، ومنع التصوير لا علاقة له بالعلانية، فإذا أراد الصحفى الحضور فعليه أن يحضر، وإذا أراد المذيع متابعة القضية فليحضر ويسجل ويقول ما دار فيها، لكن لا يجوز أن تتعامل وسائل الإعلام مع القضايا على أنها «تمثيليات» يتم تسجيلها لتذاع.
وأكد المستشار أحمد مكى، نائب رئيس محكمة النقض، أنه لا يجوز التصوير داخل المحاكم، فلا يجوز للقاضى أن يظهر وهو يكتب أسباب حكمه، لأن المشرع أعطاه مساحة لأن يكتب أسباب حكمه، كما أنه لا يجوز أن يهاجم قاض أو غيره زميله على فضائية أو يقول رأيه فى حكم أصدره.
وقال: إن التصوير داخل قاعات المحاكم يؤثر على القضية، وربما تتحول المحاكمات إلى «مسرحيات»، فبدلا من أن يبحث القاضى فى وسائله العلمية للوقوف على الحقيقة فى القضية، سوف يتحول إلى مسائل أخرى، وربما يتسبب التصوير فى الإخلال بنظام العدالة، ويكون له تأثير على القضاة الذين لا يأخذون راحتهم فى البحث والتدقيق فى الدعوى، وتضر بسير القضية، وربما تصدر وسائل الإعلام حكما فى القضية قبل أن يصدر قاضيها حكمه.
وأضاف: أؤيد حظر التصوير داخل المحاكم، وأرحب بهذه الفكرة، وأتحمس لها، ولست وحدى من يرحب بها، بل إن هناك إجماعاً بين جميع رؤساء الدوائر الجنائية فى محكمة النقض، وعلى رأسهم المستشار سرى صيام، على ضرورة حظر تصوير الجلسات بالتليفزيون حيث أصدروا بياناً بذلك، مشيرا إلى أنه إذا صدر قرار من المجلس الأعلى للقضاء، فسوف يتم تعميمه على جميع القضاة، لتفعيله.
وأوضح «مكى» أن تصوير المحاكمات بالتليفزيون أثر بشكل سيئ على المحامين الذين يستغلونها للشهرة، بدلا من الترافع أمام القضاة، وجذب انتباههم والتركيز فى الدعوى، بل إن البعض يستغلها فى إثارة بعض القضايا الأخرى، وزج أسماء لإحداث ضجة إعلامية، مؤكدا أن نظام حظر التصوير تطبقه كل دول العالم، مؤكدا أهمية تطبيق هذا فى مصر، والإبقاء على حضور الصحفيين والإعلاميين، الذين يمكنهم تسجيل الجلسات، أما الحظر فسيكون لكاميرات التليفزيون فقط.
ورفض ناصر أمين، مدير المركز العربى لاستقلال القضاء والمحاماة، الفكرة، قائلا: إن الأصل فى المحاكمات، وفقاً للمعايير الدولية العلانية، علانية المحاكمة وليس علانية المداولة، وعلانية المحاكمة تعنى أنه يجب أن تكون تحت مرأى ومسمع المجتمع، الأمر الذى يتحقق بإتاحة الفرصة لكل من يرغب فى التواجد والاطلاع على هذه المحاكمة.
وأكد أن العلانية، وفقا للمعايير الدولية عليها استثناءات ثلاثة، يحق معها للمحكمة أو للقاضى الذى يترأسها أو للدولة، وضع القيود على العلانية، التى تعتبر ضمانة للمحاكمة العادلة والمنصفة، وذلك فى حال كون القضية تتعلق بمعلومات تمس الأمن القومى، أو معلومات عسكرية يخشى تداولها بين العامة أو كانت لها علاقة بالنظام العام والآداب العامة، أو إذا كانت تتعلق بقضايا أسرية وعائلية، وهى ما تسمى الأحوال الشخصية، باعتبار أنها من صميم خصوصيات الأطراف المتنازعة «الزوج والزوجة»، وبالتالى فعنصر العلانية هنا لا يفيد فى الدعوى بقدر ما يضر بأطراف النزاع.
وأضاف أمين أن مبدأ العلانية، ضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة، كما أنه أيضا يحقق رقابة المجتمع على القضاء والقضاة، ويعد أقرب صورة من صور المشاركة المجتمعية فى إدارة العدالة، خاصة أننا لا نأخذ بنظام المحلفين السائد فى أمريكا، والقاضى لدينا هو الأساس، والاستثناء هو المجتمع، والجزء الوحيد الذى تظهر فيه مشاركة المجتمع فى إدارة العدالة هو العلانية، فمن حق الناس أن تتابع فقط.
وعن تأثير كاميرات التليفزيون فى سير العدالة، قال: «للقاضى سلطة تقديرية تتوقف على طبيعة كل دعوى على حدة، وهو الوحيد الذى يستطيع تحديد إذا كان سيتأثر من عدمه، فمثلا الدعاوى الشهيرة سوف تحظى بتغطية إعلامية أكبر، وهناك قضايا عديدة لا يتابعها أحد، والنقل الحى للمحاكمات يجب أن يكون بغرض تثقيف المجتمع وتوعيته، لذلك يجب أن يدرس اقتراح حظر التصوير جيدا، لأنه سوف يؤثر على حق المجتمع فى المعرفة ومبدأ العلانية، ، ونقل المحاكمات بالكاميرا هو استخدام لمبدأ العلانية بطريقة تكنولوجية مختلفة. واعتبر الدكتور محمود علم الدين، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، اقتراح حظر التصوير داخل المحاكمة جديرا بالدراسة، ودعا إلى محاولة تجربة تلك الفكرة، على أن تستثنى منها فقط جلسات النطق بالحكم، وقال: إن هذا النظام مطبق فى عدد من دول العالم، حيث لا يسمح بدخول المصور الفوتوغرافى، خاصة أن الكاميرات تؤثر فى بعض المحاكمات.
واعترض على الحديث حول أن حظر التصوير يتناقض مع مبدأ العلانية، متعجبا من القول بأن مبدأ العلانية لا يتحقق إلا بتصوير الكاميرات، موضحا أن العلاقة بين الإعلام والقضاء يجب أن تكون علاقة صحية قائمة على التعاون والتكامل والسعى لتحقيق هدف واحد هو كشف الحقيقة والمصلحة القومية، بشرط ألا يقوم الإعلام بدور القضاء أو وكيل النيابة أو المحامى، فقط يقتصر دوره على توفير المعلومات، وليس من حق الإعلام أن يصدر الحكم أو يحقق العدالة، والإنصاف، لذا يجب أن نراعى ألا تتداخل الأدوار، لأن الإعلام أحيانا يحاول أن يؤدى دور القاضى ووكيل النيابة والمحامى، فلابد من تمييز الأدوار وتحديدها.
وقال «علم الدين»: لا ننكر أن وجود الكاميرات والضجيج الإعلامى والصخب الذى يصاحب بعض المحاكمات قد يؤثر على المناخ الذى يتخذ فيه القرار. وأضاف: من حق القاضى أن يحيط الإعلام بنتائج المحاكمة، ولكن فى نفس الوقت لا نريد أن يتحول القضاة إلى «نجوم سياسيين»، حتى لا نقع فى مشكلة، التناقض بين المرجعية السياسية ومهنة القاضى.
وأشار إلى أن دخول كاميرات التليفزيون لا يعبر عن رقابة الشعب على القضاة، فلا رقيب على القضاء إلا القانون والضمير، وإن كان المجتمع المدنى يؤدى هذا الدور الآن، وإذا كان دخول كاميرات التصوير يعادل الشفافية، فهو أيضا ربما يؤثر على المحكمة، ومتابعة الرأى العام، ويعتبر ضغطا على القاضى، فلا يعنى الشفافية فقط، لذلك يجب حظر دخول الكاميرات، حتى الفوتوغرافية أيضا، على أن يستثنى يوم النطق بالحكم.