فرنسا.. لماذا تضيعين 18 شهرا؟

إبراهيم البحراوي الإثنين 25-05-2015 21:12

أولا، لا بد من التعبير عن التقدير للموقف الفرنسى، ذلك أن فرنسا تقود مجهودا أوروبيا لصياغة مشروع للسلام الإسرائيلى الفلسطينى، يهدف إلى إقامة الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال.

ثانيا، إن ما يدعونى إلى القلق حيال هذا المشروع هو أن من يضعه يقترح مفاوضات لمدة 18 شهرا بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، قبل تدخل مجلس الأمن فى حالة فشل هذه المفاوضات لفرض الحل بقرار دولى، وبهذا يتجاهل واضع المشروع الحقائق الظاهرة للجميع حول طبيعة الحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديدة التى تحكم على هذه المفاوضات بالفشل المؤكد مسبقا، وهذه الحقائق هى كالتالى:

1) إنها حكومة قال رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو علنا أثناء الحملة الانتخابية منذ شهرين فقط فى شهر مارس إنه «لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية ما بقى رئيسا للوزراء»، وقد تم انتخابه على هذا الأساس.

2) أضف إلى هذا أنه قام بتكوين حكومة من أحزاب ذات أطماع توسعية واضحة فى الضفة الغربية مثل حزب البيت اليهودى الممثل لجماهير المستوطنين الذين يستعمرون أراضى الضفة ويطالبون الحكومة الجديدة بالفصل العنصرى بينهم وبين الفلسطينيين تماما كما كان يفعل نظام (الأبارتهيد) فى دولة جنوب أفريقيا.

3) لقد استجاب وزير الدفاع الإسرائيلى موشيه يعالون لهذا المطلب العنصرى، فأصدر قرارا الأسبوع الماضى يقضى بمنع العمال الفلسطينيين فى الضفة الغربية المحتلة من استخدام الأتوبيسات التى يركبها المستوطنون اليهود، وهى وسيلة مواصلات عامة.

يعرف الفرنسيون كما نعرف أن مثل هذا القرار ما كان ليصدر أصلا قبل الحصول على موافقة رئيس الوزراء وبالتالى الفرنسيين، ونحن ندرك أن قرار نتنياهو تجميد العمل بالقرار العنصرى كان مجرد طريقة لاحتواء الغضب العالمى لفترة مؤقتة فحسب، بدليل أنه لم يلغ القرار العنصرى، بل اكتفى بتجميد تنفيذه إرضاء لمعسكره اليمينى.

4) إن نتنياهو إمعانا فى إظهار إخلاصه للمبدأ الاستراتيجى الذى يعبر عن الإجماع داخل حزبه «ليكود»، وهو المبدأ الذى يقول نصه «بين النهر والبحر لا مكان إلا لدولة واحدة وهى دولة إسرائيل» قام بتعيين أحد غلاة المتطرفين فى زعامة ليكود كمسؤول عن ملف المفاوضات مع الفلسطينيين، إنه (سيلفان شالوم) وزير الداخلية، نائب رئيس الوزراء الحالى، وهو الرجل الصريح فى التعبير عن تمسكه بالمبدأ الاستراتيجى لليكود فى كل المناسبات، ومنها على سبيل المثال مناسبة اجتماع لنشطاء الحزب عام 2012.

فى ذلك الاجتماع عبر الناشطون الحزبيون عن قلقهم من احتمال تخلى زعيم الحزب بنيامين نتنياهو عن المبدأ الاستراتيجى الرافض قيام دولة فلسطينية وقال بعضهم إن البيان الذى ألقاه نتنياهو فى جامعة بار إيلان عام 2009 يثير قلقهم حيث أعلن فيه استعداده للتفاوض على أساس رؤية حل الدولتين. هنا قام شالوم المقرب من نتنياهو بطمأنة نشطاء الحزب، حيث قال لهم بالنص اطمئنوا فإن جميع قادة ليكود يرفضون إقامة الدولة الفلسطينية، والأمر عندنا جميعا كقادة للحزب غير مطروح للنقاش.

لقد استذكرت الصحف الإسرائيلية، خاصة يديعوت أحرونوت هذا التصريح لشالوم وأبرزته الأسبوع الماضى، وهى تعلق فى سخرية على تعيين صاحبه مسؤولا عن ملف مفاوضات السلام.

5) إن الرئيس الأمريكى أوباما الطامح لتحقيق حل الدولتين قد وقع فى فخ نتنياهو مرتين، الأولى عندما صدق بيانه بجامعة بار إيلان حول قبوله إقامة دولة فلسطينية رغم تحذيراتنا المتكررة من أنه بيان للخداع السياسى لتجنب الصدام مع الرئيس الأمريكى. أما الثانية فعندما صدق أن قيام نتنياهو بتعيين (تسيبى ليفنى) مسؤولة عن ملف السلام فى حكومته السابقة يعنى أنه جاد فى إنجاح المفاوضات التى تجرى تحت إشراف الوزير كيرى. لقد تمكن نتنياهو بدهائه وبهذين الفخين الماكرين أن يضيع عامين فى مفاوضات عبثية، كسبا للوقت، وأملا فى انتهاء رئاسة أوباما.

6) لقد أصبح واضحا للجميع أن نتنياهو يتبع النهج الذى أرساه زعيم الحزب الأسبق إسحاق شامير الذى أجبره الرئيس بوش الأب على حضور مؤتمر السلام فى مدريد عام 1991. عندما خرج شامير من المؤتمر قال علنا «حسنا، العالم يريدنا أن نتفاوض مع الفلسطينيين، لا مشكلة عندنا فى ذلك، ولكننا سنتفاوض لمدة عشرين سنة». كان النهج واضح المعنى، وهو أن أى مفاوضات مع ليكود حول المسألة الفلسطينية لن تصل إلى نتيجة.

7) أرجو أن يتذكر الفرنسيون وأيضا الرئيس الأمريكى وسائر الأوربيين أن نتنياهو قاد بنفسه حملة تحريض عام 1995 ضد رئيس الوزراء المنتخب إسحق رابين، واتهمه علنا بالخيانة، وأنه قبل أن يسلم أرض إسرائيل لأعدائها، وذلك بسبب قيام رابين بتوقيع اتفاق أوسلو.

ويذكر جميع المراقبين الذين تابعوا أحداث الصراع السياسى فى إسرائيل فى تلك الفترة أن نتنياهو ألقى خطبة فى أتباعه، وقال لهم لقد فشلت فى وقف سياسات رابين بالطرق البرلمانية، فتصرفوا أنتم. وكلنا نذكر هذه الخطبة التى تابعتها شخصيا على شاشات القنوات التليفزيونية الإسرائيلية باللغة العبرية. لا حاجة لنا بأن نذكر الجميع بأن هذه الحملة من جانب نتنياهو غذاها حاخامات المستوطنين فى الضفة الذين أفرزوا اليوم حزب البيت اليهودى الشريك فى حكومة نتنياهو الحالية. لقد أصدر الحاخامات فتوى (دين روديف) وفتوى (دين موسير) بالعبرية، وكلتاهما تحل سفك دم رابين، باعتباره يهوديا يعرض حياة شعبه اليهودى للخطر، وباعتباره خائنا يفرط فى أرض إسرائيل. ولقد انتهت حملة نتنياهو باغتيال رابين.

8) بناء على ما تقدم: لماذا يضيع الفرنسيون 18 شهرا لإجراء مفاوضات جديدة يعلمون نتيجتها مقدما؟ ولماذا لا يقدمون مشروعهم لمجلس الأمن، بحيث ينص على إنهاء الاحتلال الإسرائيلى وإقامة الدولة الفلسطينية مع فرض عقوبات دولية على حكومة الاحتلال إذا رفضت التنفيذ؟

ألن يكون المشروع الفرنسى دون اقتراح المفاوضات أكثر جدية ونفعا لقضية السلام؟!

info@bahrawy.com